لا نجد هذا مطّردا في القرآن، فقد ذكر فيه الكسب في مضمار الشر مثل قوله تعالى: مَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ «١»، فنحن معه في أنّ الخير طبع، والشّرّ تكلّف واعتمال.
ونلتمس له العذر هنا، لأنه يريد تبيين الموازنة بين حالتي الخير والشّر في آية واحدة، فنبّه إلى عدم التّكرار، وهذا ما أوضحه بعده ابن الاصبع قائلا:
«وإنّما منع ذلك ما يحصل للنّظم من العيب وإغماض المعنى الذي قصد، أما العيب فاستثقال «كسبت» بغير زيادة في نظم قربت فيه الثانية من الأولى فسمج، وأما الإغماض، فلأن المراد الإشارة إلى أن الفطرة التي فطر الله سبحانه وتعالى الناس فطرة الخير، فالإنسان بتلك الفطرة السابغة في أصل الخلق لا يحسن أن ينسب إليه إلا كسب الحسنات، وما يعمله من السيئات يعمله لمخالفته الفطرة، فكأنه تكلّف من ذلك ما ليس في جبلّته، فوجبت زيادة التاء التي للافتعال» «٢».
- ما بعد الزمخشري:
نستطيع أن نقول إن الزمخشري قد امتاز بإضاءة إيحاء الصيغة، وشرح دلائلها النفسية، أما من تلاه من الدارسين فقد تحدّثوا عن معنى الزيادة في بناء الكلمة حسب ما قرّر رجال اللغة، مثل ابن جني، فهؤلاء رأوا أن «غفّارا» أبلغ من غافر، و «قيّوما» أبلغ من قائم، وغير هذا، إضافة إلى نقلهم ما ورد في الكشاف، وهم لا يتجاوزون التقرير اللغوي، بحيث كان الحديث عن جانب تأثير بناء الكلمة مجملا على الأغلب.
ولا بأس أن نعرض لنبذة من وقفاتهم التي وردت تحت عنوان «الزيادة في بنية الكلمة» كما نجد هذا عند يحيى العلوي صاحب الطّراز الذي يقول «قوّة اللفظ لأجل المعنى إنما تكون بنقل اللفظ من صيغة إلى صيغة أكثر منها حروفا.. وذلك يكون في الأسماء والأفعال، في الأسماء كقوله تعالى:
(٢) ابن أبي الإصبع، بديع القرآن، ص/ ٣٠٥، وانظر العلوي، يحيى بن حمزة، الطّراز: ٢/ ١٦٤.