على تجسيم الجهد الذي يكون في إقامة الصلاة، وحجم تحمل المؤمن للشّدّة في تنفيذ الأمر الإلهي، كما نفّذه الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام.
وكذلك الأمر في كلمة «يصطرخون» فالطّاء يضيف معنى الشّدة في استغاثة الكافرين، إنه صراخ قويّ نابع من نفوس محطّمة يائسة.
- جهود المحدثين:
إن عطاء المعاصرين في هذا المجال ضئيل، فهم لم يعنوا كثيرا بهذه الناحية الفنية، ولعلّ السبب في هذا أن مسألة الصيغة أعلق بما هو معياري ثابت في اللغة، ويحتاج إلى تخصص أكثر مما يحتاج إلى تذوّق شخصي، فكان البحث في جمال الصيغة أقرب إلى فقه اللغة منه إلى التأمل الجمالي.
ويمكن أن نجد لمحات جيدة في هذا المضمار لدى أحمد بدوي، وإن كانت ضئيلة بالنّسبة إلى إسهابه في فنون بلاغية أخرى، ففي قوله تعالى عن الكفار: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً «١» يتأمل بدوي صيغة «استوقد» والمعروف أن السّين والتاء في «استفعل» تفيدان الطّلب، كما تفيدان أشياء أخرى كالصّيرورة والتّحوّل، مثل: استغلظ أي صار غليظا، ويقول بدوي:
«تستوقفنا كلمة «استوقد» نارا، فنتبيّن فيها حال رجل قد أحاطت به حلكة الظّلام، فهو يطلب جاهدا نارا تضيء له مسالك السبيل، والسّين والتاء يدلان على هذا البحث القوي والطلب الجاد» «٢».
ولا بد من الإشارة إلى أن هذه الصيغة تفيد القوة والثّبات، كما في قوله عزّ وجلّ: فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ «٣» وذلك بعد أن شجب عناد المشركين، في قوله: أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ، فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ «٤».
وكذلك ما جاء على لسان الكفار الذين أجهدوا فكرهم، ولم يتوصّلوا إلى

(١) سورة البقرة، الآية: ١٧.
(٢) بدوي، من بلاغة القرآن، ص/ ٣٢.
(٣) سورة الزّخرف، الآية: ٤٣.
(٤) سورة الزّخرف، الآية: ٢١.


الصفحة التالية
Icon