صدق رسولهم في قوله تعالى: إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ «١».
لقد فصّل القرآن الحديث عن نعمة الله على بني إسرائيل، فقد أنقذهم من فظائع فرعون في النفوس والأعراض كما قال عزّ وجلّ: يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ، وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ «٢»، ويلفت بدوي نظرنا إلى فعل «يذبّحون» قائلا: «تجده قد اختار ذبّح مصوّرا به ما حدث، وضعّفت عينه على كثرة ما حدث من القتل في أبناء إسرائيل يومئذ، ولا تجد ذلك مستفادا إذا وضعنا مكانها كلمة يقتلون» «٣».
ولم تذكر قصة بني إسرائيل إلا بصيغة الكثرة في هذا الفعل، وقد استمرّ فيها إيثار «يذبّح» على «يذبح»، و «يقتّل» على «يقتل»، و «يصلّب» على «يصلب»، و «يقطّع» على «يقطع» وذلك في سرد الخبر، أو على لسان فرعون.
ومن النظرات الموفقة ذات المنهج الواضح السّويّ ما جاء لدى الدكتور نور الدين عتر عند تفسيره لأوائل سورة البقرة، إذ يقول في الآية الكريمة:
هُدىً لِلْمُتَّقِينَ «٤»: «ونلحظ هاهنا أنّ وصف القرآن بقوله «هدى» وهو مصدر نكرة، والمصدر لا يوصف به فالأصل أن يقال «هاد»، لكنه وصف بالمصدر إشارة إلى أنّه بلغ في الهداية غاية الغايات، فأصبح هو نفس الهداية» «٥».
فالتعبير بالمصدر يدلّ على كليّة الاستحقاق، ومن الوضوح أن يعتمد منهج تبيين الجمال على الموروث اللغوي الذي لا نختلف فيه، وفي دقّة حكمه.
وينتبه الدكتور عتر إلى جمال صيغة المفاعلة في تفسير الآية: يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا «٦»، إذ يقول: «إنه الخداع والمكر البالغ الذي عبّر عنه بصيغة المفاعلة «يخادعون»، لإفادة المبالغة في فعلهم ذلك، وحسبك في ذلك
(٢) سورة البقرة، الآية: ٤٩.
(٣) بدوي د. أحمد، من بلاغة القرآن، ص/ ٥٨.
(٤) سورة البقرة، الآية: ٢.
(٥) عتر، د. نور الدين، القرآن والدراسات الأدبية: ٢٧٢.
(٦) سورة البقرة، الآية: ٩.