أنّهم في خداعهم هذا غفلوا عن رقابة الله لهم واطّلاعه على خباياهم» «١».
وهكذا نجد أن الصلة واضحة بين المعيار اللغوي، وبين الدّلالة الجمالية، ومما يزيدنا إعجابا بمثل هذه النظرات أنّها وردت في كتاب يتحدّث عن علوم القرآن كلها، وجميع وجوه إعجازه، فهذا مما يبعث على التقدير، فالنظرات هنا تدلّ على عمق أدبي.
وهنالك صيغ تقوم برسم المشاهد بأدقّ طريقة فنية، وقد نظر الدكتور عتر إلى قوله تعالى: فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى «٢»، وقال: «عبّرت الآية باسم الفاعل «فالق»، واسم الفاعل ينطبق على الفاعل حال تلبّسه بالفعل، وبذلك قوّى القرآن الصّورة، وأدناها منّا، ونبّه الإحساس لصورة الفلق، وهي صورة موحية مؤدّية جعلت نظرنا يثقب الأرض إلى جوفها يشهد أعجوبة فلق النّواة والحبّة عن حياة جديدة» «٣».
ولدى العودة إلى بني إسرائيل في القرآن نقرأ قوله عزّ وجلّ على لسان فرعون، وهو في قمة غطرسته بعد اتباع السحرة لموسى عليه السلام:
فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ، وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ، وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى «٤».
فالغضب يتجلّى في الفعل مشدّد العين «أقطّعنّ» و «أصلّبنّكم»، كما تضيف نون التوكيد معنى الشّدة، وثمّة نبرة قوية في الوقوف على الميم الساكنة ثلاث مرات، وفي الوقوف على الباء الساكنة في الكلمة الأخيرة «أبقى»، وكلّ هذا يساعد على تجسيم الغضب، وشدّة الوعيد.
وتظهر أهمية صيغة المبالغة من اسم الفاعل في قوله عزّ وجلّ عن اليهود:
سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ «٥»، مما يدلّ على قوة فعل التنفيذ.

(١) عتر د. نور الدين، القرآن والدراسات الأدبية: ٢٧٨.
(٢) سورة الأنعام، الآية: ٩٥.
(٣) عتر د. نور الدين، القرآن والدراسات الأدبية: ٣٢٥.
(٤) سورة طه، الآية: ٧١.
(٥) سورة المائدة، الآية: ٤٢.


الصفحة التالية
Icon