لقد تنبّه الزمخشري إلى جمال المسّ في الآية الكريمة: وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ «١» حكاية عن مريم عليها السلام، إذ يقول: «جعل المسّ عبارة عن النكاح الحلال، لأنه كناية عنه كقوله تعالى: مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ «٢» وأَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ «٣» والزنى ليس كذلك، وإنما يقال فيه: فجر فيها، وخبث فيها، وما أشبه ذلك، وليس بقمين أن تراعى فيه الكنايات والآداب» «٤».
وهو يرى معمّما نظرته أن العلاقة الشرعية بين الرجل والمراة يكنّى عنها بالمسّ والملامسة، وليس يكون هذا في الزّنى، ويجب أن نضيف أنّ البيان القرآني لم يجنح إلى هذه الجمالية معتمدا على الفروق اللغوية، فيصرّح في الزّنى، ويلمّح في النكاح المشروع، فقد عبّر القرآن عن أبشع الزنى الذي ابتلي به قوم لوط بكلمة تتّسم بالظّلال، فنقرأ على لسانهم: ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ «٥»، فعبّرت كلمة «حق» عن قمة الهياج عندهم، والكلمة على أخلاقيتها التي تطفىء معنى الشّبق، وتزيحه من التصور، تدلّ على ثقة هؤلاء الماجنين بأنفسهم وإمعانهم في الضلال، فهم أصحاب حقّ كما يرون.
ونقرأ في سورة يوسف الآية: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ، وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ «٦» تلك السورة التي تعد منهجا أخلاقيا، ودرسا ربانيا في الصّبر على البلاء والشّهوة، وهذان الفعلان: «همّت، همّ» يختزنان بهدف الأدب كلّ تفاصيل الحادثة، وإلى هذا أشار أبو السعود في تفسيره قائلا: «ولعلّها تصدّت هنالك لأفعال أخر، من بسط يدها إليه، وقصد المعانقة، وغير ذلك مما يضطره عليه السلام إلى الهروب نحو الباب.. ولقد أشير إلى تباينها حيث لم يلزّا في قرن واحد من التعبير بأن قيل: ولقد همّا بالمخالطة، وكأنه عليه السلام قد شاهد الزنى بموجب ذلك البرهان النّير على ما هو عليه في حدّ ذاته أقبح
(٢) سورة الأحزاب، الآية: ٤٩.
(٣) سورة النساء، الآية: ٤٣.
(٤) الزمخشري، محمود بن عمر الكشاف: ٣/ ٦٣٨.
(٥) سورة هود، الآية: ٧٩.
(٦) سورة يوسف، الآية: ٢٤.