ذكر العامّ دون الخاصّ، قلت: لأن السّبّابة فعّالة من السبّ، فكان اجتنابها أولى بآداب القرآن، ألا ترى أنهم قد استبشعوها، فكنوا عنها بالمسبّحة والسّبّاحة والمهلّلة والدّعّاءة، فإن قلت: فهلا ذكر بعض هذه الكنايات؟
قلت: هي ألفاظ مستحدثة لم يتعارفها الناس في ذلك العهد» «١».
لقد رأى في ذكر كلمة «سبابة» مدعاة لتذكّر فعل السب، وهو محرّم في القرآن، يقول تعالى: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ «٢»، فلا يصبح اسمه الجليل ممتهنا على الألسنة.
أما من تلا الزمخشري فقد فسّر وجود كلمة الأصابع على سبيل المجاز اللغوي، أي: إطلاق الكل على الجزء «٣» من غير تنبيه على رفعة الأسلوب.
فنحن نقع على هذا الشاهد إلى جانب شواهد أخرى حول المجاز مع شيء من التعليق المقتضب، ولا يعارض موقفهم تحليل الزمخشري، بل يكمله، فالمعنى لديهم المبالغة في إدخال غير المعتاد، لأن المقصود إدخال أطراف الأنامل، وإلى هذا المعنى الرفيع يشير أبو السّعود قائلا: إن إيراد الأصابع يدلّ على الأنامل للإشباع في بيان سدّها باعتبار الذات، كأنهم سدّوها بجملتها، لا بأناملها فحسب كما هو المعتاد، ويجوز أن يكون هذا إيحاء إلى كمال حيرتهم، وفرط دهشتهم، وبلوغهم إلى حيث لا يهتدون إلى استعمال الجوارح على النّهج المعتاد، وكذا الحال في عدم تعيين الأصبع المعتاد، أعني السّبّابة، وقيل: ذلك لرعاية الأدب» «٤».
وهكذا نجد لدقة الاختيار هذه عند أبي السعود وجوها جمالية متعددة، وتعددية التعليل هذه هي أسلوب مطّرد في تفسيره النفيس، مما يوضح رجاحة عقل، وفتح منافذ عريضة أمام التأمل الفني، وكثيرا ما أضاف إلى لمحات الزمخشري محاسن أخرى، وهو هنا يشير إلى الحالة النفسية، وإلى التأدب
(٢) سورة الأنعام، الآية: ١٠٨.
(٣) انظر مثلا: الزركشي، محمد بن عبد الله، البرهان: ٢/ ٢٧٩، والسيوطي، جلال الدين، الإتقان: ٢/ ٧٨.
(٤) أبو السعود العمادي، محمد بن محمد، إرشاد العقل السليم: ١/ ٥٣.