معا، بدلا من الاكتفاء بالقول: مجاز لغوي علاقته الكليّة.
ومن هذه النظرات التي نجدها في «الكشاف» التعبير عن أسلوب القرآن في انتقاء الكلمات المناسبة للمواقف، فقد رأى الزمخشري في الآية: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً، وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً «١» جمال تخصيص المؤمنين بالفعل «حشر»، وتخصيص الكفار بفعل «ساق» إذ يقول:
«ذكر المتقون بلفظ التبجيل، وهو أنهم يجمعون إلى ربهم الذي غمرهم برحمته، وخصّهم برضوانه وكرامته، كما يفد الوفاد على الملوك منتظرين الكرامة عندهم، وذكر الكافرون بأنهم يساقون إلى النار بإهانة واستخفاف، كأنهم نعم عطاش تساق إلى الماء» «٢».
ويبدو أنه يريد تخصيص نوع من الأفعال في موقف موازنة فقط، أي عند ما يذكر مصير المؤمنين والكفار معا في مكان واحد، فجعل الحشر للمؤمنين والسوق للكفار.
والقرآن يسند فعل «ساق» إلى المؤمنين في قوله تعالى وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً «٣» فالفعل هنا مجرّد الجمع، وهنالك يقترب من معنى جمع البهائم، وكذلك لم يخصص فعل «حشر» للمؤمنين، فهو يسند في القرآن إلى الكفار والشياطين وسحرة فرعون، وهذا لا يعني عدم إحاطة الزمخشري، بل يدل على تذوقه الموازنة بين مصيرين في مقام تقصد فيه الموازنة.
ومن هذه اللفتات الجيدة التي نبّهته إليها الموازنة ما جاء حول الآية الكريمة: فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قالُوا: أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ، وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا: أَلَمْ
نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ
«٤»، فقد جاء في كشّافه: «فإن قلت: لم سمّى ظفر المسلمين فتحا، وظفر الكافرين نصيبا؟ قلت: تعظيما لشأن المسلمين، وتخسيسا لحظ الكافرين، لأن ظفر الكافرين، فما هو إلا حظ دنيء

(١) سورة مريم، الآيتان: ٨٥ - ٨٦.
(٢) الزمخشري، محمود بن عمر، الكشاف: ٢/ ٥٢٤، وانظر تفسير النسفي:
٣/ ٤٥.
(٣) سورة الزّمر، الآية: ٧١.
(٤) سورة النساء، الآية: ١٤١.


الصفحة التالية
Icon