ولمظة «١» من الدنيا يصيبونها» «٢».
يحاول الزمخشري جاهدا أن يقنعنا بجمال المفردة، وذلك بمعطيات الذوق السليم، والمنطق، والاستعمال الصحيح للغتنا، وهذا يطّرد في كل جوانب جمال المفردة، ولا يقتصر على جانب التهذيب.
- ابن أبي الإصبع:
ونصل إلى فترة التقعيد البلاغي، كما هي الحال عند ابن الإصبع المصري «٣» الذي تحدّث عن البلاغة القرآنية في كتابيه: «بديع القرآن» و «تحرير التحبير»، فنجده يرصد هذه الجمالية من خلال فنّ الكناية يقول: «الكناية هي عبارة تعبير المتكلم عن المعنى القبيح باللفظ الحسن، وعن النّجس بالطاهر، وعن الفاحش بالعفيف، هذا إذا قصد المتكلم نزاهة كلامه عن العيب، وقد يقصده بالكناية عن ذلك، وهو أن يعبّر عن الصّعب بالسهل، وعن البسط بالإيجاز، أو يأتي للتّعمية والإلغاز، أو للستر والصيانة، فمما جاء منها للتعبير عن النّجس بالطاهر قوله تعالى: كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ «٤»، كناية عن الحدث، لأنه ملازم أكل الطعام وقوله: أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ «٥» لأنه المنخفض من الأرض الذي يقصد لقضاء الحاجة، فسمّي الحدث باسم موضعه «٦».

(١) اللمظة: اليسير من الشيء تأخذه بالإصبع.
(٢) الزمخشري، محمود بن عمر، الكشاف: ١/ ٥٧٣، وانظر تفسير النسفي:
١/ ٢٥٧.
(٣) هو عبد العظيم بن عبد الواحد بن ظافر بن أبي الإصبع العدواني المصري، شاعر من العلماء بالأدب، مولده بمصر، ووفاته فيها سنة ٦٥٤ هـ له تصانيف حسنة مثل «بديع القرآن» و «تحرير التحبير» و «الجواهر السوانح في سرائر القرائح» و «البرهان في إعجاز القرآن» انظر الأعلام: ٤/ ١٥٦.
(٤) سورة المائدة، الآية: ٧٥.
(٥) سورة المائدة، الآية: ٦.
(٦) ابن أبي الإصبع، عبد العظيم بن عبد الواحد، بديع القرآن، وانظر كتابه تحرير التحبير، ص/ ٤١٨.


الصفحة التالية
Icon