وعلى سبيل المثال لا الحصر كان التعبير عن فظائع الكافرين بكلمة «آسفونا» في قوله عز وجل: فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ «١» وهي لا تتصل بالكناية أو التّعريض أو الإلغاز مما ذكر البلاغيون، وإنما هي كلمة تردّ على كلّ شنائع الكفار من استكبار واستهزاء وعبادة أصنام وقتل وشذوذ، وهي كلمة أليق بالذات الإلهية التي تقدم الرحمة على الغضب.
ومن هذا قوله تعالى في تعليم المؤمنين آداب الزيارة: وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ، ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ «٢»، لقد اختصر البيان القرآني كلّ ما يمكن أن يحدث في عدم الاستئذان من قبائح ومنكرات بكلمة «أزكى»، ومن اشتقاقات المادة «الزكاة» التي تطهّر النفوس، وتحدّ من جبروتها.
إن ما نقع عليه في كتب المحدثين يختلف عن منهج القدامى، لأن المحدثين لا يعنون بجلاء المصطلح البلاغي في سياق تأملهم الفني، بل يعمّقون الإحساس في تملّي الجمال القرآني، ولا بأس أن نورد نبذة مما لدى المحدثين، ومن هؤلاء محمد عبد الله درّاز الذي تأمل بعض آيات سورة البقرة، وراح يفسّرها تفسيرا أدبيا، وكانت الآيات تتحدث عن بني إسرائيل، فتذكر النّعمة، ثم تذكر سفاهتهم مع موسى عليه السلام، وعبادتهم العجل يقول دراز: انظر إليه بعد أن سجّل على بني إسرائيل أفحش الفحش، وهو وضعهم البقر الذي هو مثل في البلادة موضع المعبود الأقدس، وبعد أن وصف قسوة قلوبهم في تأبّيهم على أوامر الله، فتراه لا يزيد على أن يقول في الأولى إن هذا ظلم، وفي الثانية بِئْسَمَا «٣»، أذلك كلّ ما قابل به هذه الشّناعات، نعم إنهما كلمتان وافيتان بمقدار الجريمة لو فهمتا» «٤».
ولا يصل بنا إجلالنا لمثل هذا التحليل إلى الإجحاف بالقدامى، فإننا على الأقل نحسّ نفس الزمخشري في نظرة درّاز.
(٢) سورة النور، الآية: ٢٨.
(٣) سورة البقرة، الآية: ٩٠.
(٤) دراز، د. محمد عبد الله، النبأ العظيم، ص/ ١٢١.