ويمكن أن نضيف من هذه الكلمات على شاهده في الآيات نفسها أَفَلا تَعْقِلُونَ «١» وعَفَوْنا عَنْكُمْ «٢» مما يدل على لطف الخطاب ورفعة مستواه، وعلى رحمة الربوبية.
وقد حاولت الباحثة عائشة عبد الرحمن في كتابيها «التفسير البياني» و «الإعجاز البياني للقرآن» أن تثبت أن حصول الفواصل على الشكل الموجود ليس مراعاة موسيقية فحسب، بل موافقة للمعنى المطلوب قبل حلاوة النّغمة، وتقف عند الآية الكريمة: ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى «٣» فتقول: «ويبقى القول بأن الحذف- في فعل قلى- لدلالة ما قبله من المحذوف، وتقتضيه حساسية معنوية بالغة الدقة في اللّطف والإيناس، هي تحاشي خطابه تعالى لحبيبه المصطفى في مقام الإيناس: ما قلاك، لما في القلى من الطرد والإبعاد، وشدّة البغض، أما التّوديع فلا شيء فيه من ذلك، ولعلّ الحسّ اللغوي فيه يؤذن بالفراق على كره مع رجاء العودة» «٤».
فهي ترى أن «قلى» لم تنزل هكذا مراعاة للفواصل الأخرى: «ضحى، سجى، الأولى»، فتحذف كاف الخطاب، والحق أنها توصلت إلى كشف ميزات فنية متنوعة نتيجة محاولتها الأدبية في مسألة تمكن الفاصلة من المعنى، بيد أنها لم تتحدث إلا عن بعض السور القصار، وهي تنطلق من المعين العربي، أي إن معيارها لغوي بشكل أكبر، ولولا جزئية فكرتنا لوجدنا عندها مادة وفيرة.
وقد قدم أحمد موسى سالم كما أسلفنا دراسة فريدة لشخصيات القصة القرآنية، فحلّل الشخصيات، وقسّمها إلى خيّرة وشرّيرة، ورجال ونساء، وأصيلة وثانوية، ورأى أن من دواعي الأدب أن يسكت القرآن عن ذكر أسماء الطّغاة، ويقول: «كيف يكون لهؤلاء الأشرار الذين ليسوا في هذه الحياة إلا الظّلّ المنحسر، والوهم الزائل، خلود بأسمائهم في كتاب الله، لم نعرف اسم
(٢) سورة البقرة، الآية: ٥٢.
(٣) سورة الضحى، الآية: ٣.
(٤) عبد الرحمن د. عائشة، التفسير البياني: ١/ ٣٥ - ٣٦.