وصولها إلى النص، فيغربل المفردات، لأنه يخشى زللها.
يقول برتيليمي مشيدا برفعة الكتابة الأدبية: «في الوقت الذي يهتم فيه الفيلسوف بالحقائق والأفكار فحسب، ويقف فيما وراء الألفاظ، يقف الشاعر فيما قبلها، لأنها ليست بالنسبة إليه علامات فحسب، بل هي كذلك- وقبل كل شيء- كائنات ينظر إليها، ويفحصها ويتأمل فيها، ويعجب بها، كما يعجب الإنسان بحصاة أو بحشرة أو بطير ما» «١».
فالكلمة تترك ساحة دلالتها اللغوية عند ما تكون في الأدب، وإذا كنا نحن إزاء دراستها في القرآن، فهل يطبّق هذا الرأي عليها؟. هنا تتجلى ميزة القرآن، فهو كتاب هداية وعلم، وليس يقصد الفن الأدبي وحده فيه، فهو موجود ليتمم الفكرة الدينية، ويوصلها في أجمل وأبهى صورة، وهو كتاب علم وعقيدة وتشريع سماوي، ومواعظ وأخبار، وعلى الرغم من هذا لم تؤثر فيه علميته في أن يبقى منها بلاغيا، ونصا أدبيا راقيا.
ومن يطوّف في رحاب التفاسير اللغوية البلاغية يجد وقفات طويلة في مفردات السور المدنية التي كان طابعها التشريع، لأن التشريع قد عني أيضا بنفسية المؤمن، ومن خلال رسم السلوك البشري السّوي، وإلقاء الأوامر الإلهية، إذ برزت للدارسين جماليات في مناسبة المقام بمفردات تختزن طاقة وجدانية كبرى.
ولا شكّ في أن المفردة تكتسب هذه الميزة الجديدة من الظلال الروحية التي تحيط بها داخل النص، فتتخذ لها معاني ثانوية يجود بها الموضوع المرتجى، وهذا ما أسماه أحمد الشائب بالصفات الهامشيّة، إذ قال عن كلمة «الربيع»: «حين تقتصر على المعنى المعجمي المحايد، فهي تعني هذا الفصل من العام، وما فيه من اعتدال الجو، وكثرة الخضرة، وهذا ما يدعى بالدّلالات المركزية، وهي تليق بعلماء الطبيعة.. ولكن الربيع لدى الأديب حين يستغل عاطفته، ويشحن دلالته بصفات هامشية، يكون الربيع مبعث حزن أو فرح