عن خلوص سرورهم من الشوائب كلّها، لأن الأمن إنما هو السلامة من الخوف» فإذا نالوا الأمن بالإطلاق ارتفع الخوف عنهم، وارتفع بارتفاعه المكروه، وحصل السرور المحبوب» «١».
وهو يبين طبيعة النفس البشرية التي يوائمها بعد الخوف والحزن، كما في قوله تعالى: وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ «٢» فقد قال: «فقد أدرج فيه إقبال كلّ محبوب عليهم، وزوال كلّ مكروه عنهم، ولا شيء أضرّ بالإنسان من الحزن والخوف، لأن الحزن يتولّد من مكروه ماض أو حاضر، والخوف يتولّد من مكروه مستقبل، فإذا اجتمعا على امرئ لم ينتفع بعيشه بل يتبرّم» «٣».
لقد أشار إلى أسلوب القرآن الذي يقدم مادة لغوية قليلة للدلائل الكثيرة في كلمته «أدرج»، وكلمته التي تتكرر أيضا «كلّ»، ونحن لا نراه يقف على اللغة، بل يحاول أن يبسط جمال الاختزان من خلال واقع البشر، وهكذا شملت كلمتا الخوف والحزن كلّ مراحل حياة الإنسان.
وتعدّ وقفات الزمخشري على جمال المفردة كثيرة وغنية المحتوى، وهو يدل على ذوق رفيع ومعرفة لغوية واسعة، ومن هذا تأمله للآية: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا «٤»، فهو يقول: «فإن قلت: لم عبّر عن الإتيان بالفعل، وأيّ فائدة في تركه إليه؟ قلت: لأنه فعل من الأفعال، تقول: أتيت فلانا، فيقال لك: نعم ما فعلت، والفائدة فيه أنه جار مجرى الكناية التي تعطيك اختصارا ووجازة عن طول المكنّى عنه» «٥».
فهو يلتفت إلى شمول «تفعلوا»، وكأنه يرى في استعمال الكناية أن كل شيء في التصرفات الإنسانية هو فعل، فهو أعمّ من أفعال أخرى، مثل: أتى أو نظّم أو كتب، ونرى أنّ عموم الفعل يدلّ على منتهى عجزهم عن معارضة القرآن مهما تعدّدت القوى والوسائل البشرية.

(١) الثّعالبي، الإعجاز والإيجاز، ص/ ١١.
(٢) سورة البقرة، الآية: ٦٢.
(٣) الثّعالبي، الإعجاز والإيجاز، ص/ ١١.
(٤) سورة البقرة، الآية: ٢٤.
(٥) الزمخشري، الكشّاف: ١/ ٢٤٧، وانظر أبو السعود، إرشاد العقل السليم: ١/ ٦٦.


الصفحة التالية
Icon