وهو يشتمل على المرئيات والمسموعات مناسبا الحاستين البشريتين اللتين توائمان الحسّ الجمالي.
ومثل هذا ما ورد في وصف نساء الجنة، فيعبّر البيان القرآني بالكلمة والكلمتين عن الجمال الشكلي وجمال المضمون الخلقي، ومنه قوله تعالى:
فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ «١»، فعبر بهاتين الكلمتين عن عفافهن وشرفهن وفرحة أزواجهن، وما يتصل بالقناعة والرضا وعدم التطاول، ويكتفي الدارس القديم عادة بالقول: إن هذا من باب الإشارة كما كان من ابن قيم الجوزية «٢».
وقد حضّ القرآن الكريم على طاعة الوالدين، ومن هذا قوله عز وجل:
فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ «٣» فكلمة «أفّ» تشمل ترك التعرض لهما بيسير من الإيلام النفسي فضلا عن كثيره، ولا شك أنّ انتزاع المفردة من عملية حسية هي النّفخ في التراب، وما إلى ذلك، جعلها تصوّر بحسية هذا الموقف، فهي اسم صوت بمعنى أتضجّر، وهي تختزن ما يقال قبلها، وما يقال بعدها من كلمات غير لائقة بمكانة الوالدين السامية، فقد مثّلت الحالة النفسية بحسّيتها.
ولنتأمل تصوير الكفار يوم القيامة في قوله عز وجل: خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ «٤»، فإن كلمة «خفيّ» تختزن كلّ المعاني النفسية التي يتّسم بها ذلك الذليل، وهي منتزعة من صورة بصرية، وتختزن كلّ تأوّهاته وحنقه على من أضلّه، وقد رأى العذاب، وتوحي بإيجاز رائع بخجلته من خالقه وانكساره.
إن الاختزان المتصل بالتهذيب وارد بكثرة في مفردات سرد القصة القرآنية، كما وجدنا في الفقرة السابقة ما جاء في الحديث عن قوم لوط وقصة يوسف عليهما السلام.
وكما أن التهذيب لا يقتصر في القرآن على الأمور النسائية، فكذلك
(٢) انظر ابن قيّم الجوزيّة، الفوائد، ص/ ١٢٥.
(٣) سورة الإسراء، الآية: ٢٣.
(٤) سورة الشّورى، الآية: ٤٥.