ومن ذلك بيانه دقّة كلمة «أكله» في الآية الكريمة: وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا، فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ «١»، يقول الخطّابي: «فإن الافتراس معناه في فعل السّبع القتل فحسب، وأصل الفرس دقّ العنق، والقوم إنّما ادّعوا على الذئب أنّه أكله أكلا، وأتى على جميع أجزائه وأعضائه، فلم يترك مفصلا ولا عظما، ذلك لأنهم خافوا مطالبة أبيهم إيّاهم بأثر باق منه يشهد بصحّة ما ذكروه» «٢».
فالناقدون يرون الصّحة في «افترسه» الذّئب، والخطّابي يرى أنّ البيان القرآني لا يتّسم بالزّلل والفوضى في إلباس المعاني بالألفاظ، فالفعل أكل يدلّ على إخفاء آثار الجريمة، وخصوصية الموقف تتطلّب هذا الفعل لا غيره.
ويؤيّد ما ذهب إليه الخطّابيّ أنّ «أكل» ورد قبل أن يدّعوا ما ادّعوا، فعلى لسان أبيهم يعقوب عليه السلام جاء في السورة: وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ، وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ «٣». إنّه الأكل وليس الافتراس.
وفي كتاب «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي لمحات جيدة، وإن كان لا يعير الجانب النفسي اهتماما، ففي الآية:
تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ «٤» يقول: «ولفظة الإيلاج هاهنا أبلغ، لأنّه يفيد إدخال كل واحد منهما في الآخر، بلطيف الممازجة، وشديد الملابسة» «٥».
لقد ذكرت هذه المفردة عشر مرات، وهي من البلاغة، بحيث حقّقت الواقع المدروس في علم الفلك الآن من حيث دوران الأرض وكرويتها، وكثيرا ما يكتفي الشريف الرضي بأنّ هذه المفردة أبلغ من غيرها، من غير
(٢) الخطّابي، ثلاث رسائل في الإعجاز، ص/ ٣٧.
(٣) سورة يوسف، الآية: ١٣.
(٤) سورة آل عمران، الآية: ٢٧.
(٥) الشّريف الرّضي، تلخيص البيان، ص/ ١٢٣.