أن يسبر غورها أو يذكر معيار القيمة.
وقد وضع الخطيب الإسكافي «١» كتابا نفيسا سمّاه «درّة التنزيل وغرّة التأويل في بيان الآيات المتشابهات في كتاب الله العزيز» وقد عرض فيه الآيات التي تتشابه مفرداتها، وتتغيّر فيها كلمة أو كلمتان، فاستطاع أن يقنعنا بارتباط هذا التغيّر بالموقف الذي يبسطه القرآن.
ومن ذلك تفسيره للآيتين: لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً «٢»، ولَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً «٣» إذ قال: «قيل الإمر إنّه الداهية، وقيل إنه العجب، والنّكر ما تنكره العقول ولا تعرفه ولا تجوزه.. والنّكر لا يستعمل إلا في المذموم الذي يخرج عن المعروف في العقل أو الدّين، فاختص الأول بالأمر، لأن خرق السفينة التي لم يغرق فيها أحد أهون من قتل الغلام الذي قد هلك» «٤».
وهكذا يمهّد بمعرفته اللغوية لبيان حقّ المفردة في الوجود دون غيرها، ويمتاز أسلوب الإسكافي بالإحاطة، فلا توجد آيات متشابهة الألفاظ إلا أوردها، ويمتاز أيضا بدقّة المعيار اللغوي، ولا يكتفي به في بعض الشواهد، كما في تفسيره للآيتين: كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ «٥» والآية: كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ
(٢) سورة الكهف، الآية: ٧١.
(٣) سورة الكهف، الآية: ٧٤.
(٤) الإسكافي، محمد بن عبد الله، ١٩٧٧، درّة التنزيل، ط/ ٢، دار الآفاق الجديدة بيروت، ط/ ٢، ١٩٧٧، ص/ ٢٨٤، ويعنى كتابه بالمتشابه اللفظي، لا المتشابه المعنوي الخاص بالعقيدة.
(٥) سورة الحجّ، الآية: ٢٢.