تُكَذِّبُونَ «١»، فهو يقول عن زيادة كلمة «غمّ» في الآية الأولى: «فلمّا وصفهم بأنّ العذاب من جميع الجوانب اكتنفهم، صاروا بإحاطة ذلك بهم، وسدّ أنفاسهم عليهم بمنزلة البعير المغموم بالغمامة التي تسدّ منفسه، فلا يجد فرجه، والآية التي في سورة السّجدة لم تشتمل من إحاطة العذاب بهم من ذكر الثّياب من النار وصبّ الحميم وإذابة الشّحوم» «٢».
فقد انتبه إلى هذه العلّة نتيجة تفهمه للآيات، والإسكافي وضع كتابه مهتمّا بالمتشابهات، وهذه الغاية الدينية تمتّعت بنظرات فنية تعتمد غالبا على الموروث اللغوي، ويبدأ كلامه عادة بعبارة «للسائل أن يسأل».
يمكننا هاهنا أن نذكر وقفات الزمخشري التي بسط فيها الظلال النفسية، ولتجاوز ما يستمدّ من المعرفة بالفروق كالفرق بين الكبير والعظيم، وبين الأذى والضرر، ففي قوله تعالى: وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً، فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً، فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً «٣» يقول: «ولم يقل: فإن وهبن أو سمحن إعلاما بأنّ المراعى هو تجافي نفسها عن الموهوب طيبة، وقيل: «فإن طبن لكم عن شيء منه» ولم يقل «فإن سمحن لكم عنه» بعثا لهنّ على تقليل الموهوب» «٤».
فالكلمة تنمّ على راحة صدرها وهي تتخلّى عن بعض صداقها، وكما نرى لا يكتفي بمطابقة الحقيقة، كما يكون في الاعتماد على اللغة، والحق أن الزمخشري كثيرا ما يقف في إبراز بلاغة القرآن حتى في الآيات الفقهية التي تبيّن الأحكام الإسلامية، وتبعه في هذا المسلك أبو السّعود وسيّد قطب خاصة، وهنا يحضرنا قول نعيم الحمصي: «إن القرآن على الرغم من أنه يتناول أبحاثا من طبيعتها إلا تتناول في أسلوب فصيح بليغ، لأنها تعبّر عن فكرة مجرّدة، أو عن واجبات دينية اجتماعية، فهو يعبّر عنها فيما هو
(٢) الاسكافي، درّة التنزيل، ص/ ٣٠٩.
(٣) سورة النّساء، الآية: ٤.
(٤) الزمخشريّ، محمود بن عمر، الكشّاف: ١/ ٤٩٩، وانظر تفسير أبي السّعود:
٢/ ١٤٤.