أقوى، ولا يحيط به تصوّر، كما عدل عن الرؤية إلى الظمأ لعمق الصلة بالجسم.
وإذا كان الرماني قد وجد أن هذا يتطلبه التأثير الأقوى، وهو مناسب للموقف فإن أبا هلال العسكري يصنف مثل هذه اللمحة الفنية تحت عنوان «المبالغة» ومن شواهد هذا الفصل قوله عزّ وجلّ: يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ «١» وقد جاء فيه: «ولو قال: تذهل كل امرأة عن ولدها لكان بيانا حسنا، وبلاغة كاملة، وإنما خصّ المرضعة للمبالغة، لأن المرضعة أشفق على ولدها، ولمعرفتها بحاجته إليها، وأشغف به لقربه منها ولزومها له» «٢».
ونستنتج مما سبق أن طريقة الرماني والخطابي أكثر إرضاء للذوق، فالرماني مثلا يقدّر كلمة بليغة، ويرى أن الكلمة القرآنية أبلغ، فالجمال درجات، أو كما يقول «طبقات»، ويؤخذ على العسكري تمسّكه بمصطلح «المبالغة» التي كثيرا ما تشين الشعر، ففي القرآن تأثير عميق، ولا يوجد مبالغة، ويبدو أنه يريد المبالغة في التأثير.
وقد عني الشريف الرضي بمجازات القرآن، وتفسيرها من خلال العودة إلى حيز الحقيقة، ولكنا لا نعدم شذرات رائعة تمثّل ذوقا رفيعا إزاء بعض المفردات القرآنية، وعندئذ يتناسى الاصطلاح وتقعيده، ويقول تعالى عن أهل الكتاب الذين كتموا خبر النبي المبعوث: أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ «٣» وقد قال الشريف الرضي: «و
قوله سبحانه: فِي بُطُونِهِمْ زيادة معنى، وإن كان كلّ آكل إنما يأكل في بطنه، وذلك أفظع سماعا، وأشدّ إيجاعا، وليس قول الرجل للآخر: إنك تأكل النار مثل قوله: «إنك تأكل النار في بطنك» «٤».
(٢) العسكري، أبو هلال، كتاب الصناعتين، ص/ ٣٦٥.
(٣) سورة البقرة، الآية: ١٧٤.
(٤) الشريف الرضي، محمد بن الحسين، تلخيص البيان في مجازات القرآن، ص/ ١١٩.