الزّمخشري.
ففي تفسيره للآية الكريمة: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ «١» يقول: «فإن قلت: لم يأتيهم العذاب في الغمام؟ قلت: لأنّ الغمام مظنّة الرّحمة، فإذا نزل منه العذاب كان الأمر أفظع وأهول، لأنّ الشّرّ إذا جاء من حيث لا يحتسب كان أغمّ، كما أن الخير إذا جاء من حيث لا يحتسب، كان أسرّ، فكيف إذا كان الشّرّ من حيث يحتسب الخير، ولذلك كانت الصاعقة من العذاب المستفظع لمجيئها من حيث يتوقّع الغيث، ومن ثمّة اشتدّ على المتفكّرين في كتاب الله قوله تعالى: وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ «٢».
فهو هنا يحكّم الإحساس بالفجاءة في جمال «الغمام» وهذا الحكم يعتمد على طبيعة النفس الإنسانية.
ويرى مصطفى الجويني أن «شخصية الزمخشري قد طغى عليها العاطفة الدينية في الأمور الجمالية» «٣».
ويبدو لنا جليّا أن الدين والجمال لا ينفي أحدهما الآخر، وأن مظاهر الجنّة تعدّ دروسا في دربة الإحساس الجمالي، وكذلك مظاهر النار، فالجمال والدّين يتعاوران البيان القرآني في الكشاف، والجمال في القرآن ليس جمالا لذاته، بل هو مسخّر في نهاية الأمر للأغراض الدينية.
ويستشعر الزمخشري حسرة الأم التي تلد الأنثى في قوله عزّ وجلّ عن امرأة عمران: فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ: رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ «٤» فيقول: «إن قلت: فلم قالت: إني وضعتها أنثى، وما أرادت إلى هذا القول؟ قلت: قالته تحسّرا على ما رأت من خيبة رجائها، وعكس

(١) سورة البقرة، الآية: ٢١٠.
(٢) سورة الزمر، الآية: ٤٧، الكشاف: ١/ ٣٥٣، وانظر تفسير النسفي: ١/ ١٠٥، وتفسير أبي السعود: ١/ ٢١٣.
(٣) الجويني، مصطفى، ١٩٥٩، منهج الزمخشري في تفسير القرآن وبيان إعجازه، ط/ ١ دار المعارف بمصر، ص/ ١٨٦.
(٤) سورة آل عمران، الآية: ٣٦.


الصفحة التالية
Icon