كالنّخل الخاوي والعصف المأكول.
وتأكدنا أن الحسية المطلوبة في التجسيم وغيره مرحلة أوّلية، وواضحة السّبل إلى الأثر النفسي، فلا يوجد في القرآن إثارة حسّية تقصد لذاتها، بل الغاية الدائمة هي سبر أغوار النفس، وتوصيل رسالة الهداية.
٢ - وقد اتسمت المفردة القرآنية بجمال الشكل والمضمون، فجمعت بين قوة تأثير التصوير، وبين عذوبة الصوت، ونقصد بالعذوبة سهولة نطق مخارجها، وشهادة السّمع بسهولة أصواتها، وهذه العذوبة لم تنتج عن اجتماع الأصوات الرّخوة أو تباعد مخارج حروف المفردات، إذ تبيّن لنا أن العبرة بصفات الحروف لا بمخارجها العضوية.
وقد استعنّا بمعطيات علم التجويد وفقه اللغة لمعرفة صفات الحروف من حيث الشّدة والهمس والإطباق والذّلاقة والقلقلة وغير هذا، ولدى تطبيقنا لهذه المعطيات تبيّن لنا في دراسة بعض المفردات أنّ ثمّة انسجاما ملموسا بين هذه الصّفات مما يبعد الثّقل عنها، كما أن ثمة علاقة وشيجة بين طبيعة الأصوات وتشكيلها وبين المواقف التي تذكرها.
وقدمنا بعض الشواهد التي تثبت العلاقة بين الأصوات الشديدة وبين مواقف الوعيد والترهيب، والعلاقة بين مواقف الرحمة وبين الأصوات اللينة، وقد عمدنا إلى مصطلح «الشّدة» لا مصطلح «الثّقل» لعدم وجوده في مفردات القرآن مقابلا لمصطلح الخفّة.
وتعرّضنا في البحث للمفردات ذات الحروف الكثيرة، ونفينا عنها عيب الطّول من خلال التّنويه بأهمية التشكيل الداخلي الصوتي، وإفاضة هذا الطول لبعض الإيحاءات مما ينفي عيب الطول ووطأته.
وكان للمفردات القرآنية جمال خاص، من حيث إن بعضها مصوّر بأصواته للحدث وهو ما دعي ب «الأونوماتوبيا»، ولكي نبعد طابع الرمز المغرق، لجأنا إلى علم اللغة لمعرفة صفات الحروف، وإمكان ربطها بالتصوير، وقد أكّدنا وجود جذور لهذه الفكرة في التراث العربي، على الرغم من وجودها في الأدب الأوروبي.