ولدى ذكر بعض الشواهد تبيّن لنا أن على الدارس أن يتسلّح بمعطيات علم اللغة وعلم التجويد، ليتفهّم صفات الحروف، فيربطها بالمواقف أو يبحث في صحة محاكاتها للمعاني والأحداث، لكي لا يقع في تخمين ووهم، وقد رأينا أن الحركات تشارك الحروف في المحاكاة، وأنّهما لا يوظّفان لمطلب المحاكاة في كل موضع.
٣ - ثمّة جانب آخر لجمال المفردة تتلقّفه البصيرة، ويدخل في أغوار النفس، ويحيط بأحكام المنطق وثباته، وهو ليس بالجمال الحسّي كالمرئي والمسموع، بل يدل على إقناع وموافقة السّياق الكلي، وقد حرصنا على كشف المعالم الفنية في اختيار المفردة، ومن خلال أسلوبها في التعبير عن المعنى.
وهاهنا درسنا الأبعاد الفنية لصيغ المفردات، وخصوصية التعبير بصيغة ما، فوجدنا أن الصيغة تختصر الكثير من المفردات، وأنها تنمّ على رفعة البيان القرآني ودعوة
إلى التهذيب، وأنها تلقي ظلالا نفسية خاصة.
ورأينا أن ثمة مفردات قصد فيها البيان القرآني الإيماء وعدم التصريح بالمعنى فوضع مفردات شفّافة تومئ إلى المعنى إيماء، وهذه المفردات تخصّ المرأة وعلاقتها بالرجل، وأضفنا إلى هذا مفردات في شئون عامة دلّ فيها القرآن على سموّ خطابه ورفعته.
وكذلك درسنا المفردات التي تختزن المعاني الكثيرة التي تدلّ على تماسك الآيات، وهي تضاف إلى إيجاز الآيات، وقد حاولنا تبيين التوقيع على أوتار النفس بهذا الاختزان، وقدرة القرآن على التوصيل بأقلّ عدد من المفردات.
وقد حاولنا أن نبيّن سيطرة المضمون على الشكل في فواصل الآيات، إذ ربطنا المفردة بما يسبقها، واختصاصها بمعنى جديد على سائر مفردات الآية، وبهذا نفينا أن تقصد المراعاة الموسيقية في وجود مفردة ما أو صيغتها، إذ المعنى هو المقدّم.
وقد بيّنّا استيعاب المفردة لجوانب المعنى من خلال الاستعانة بالفروق الدقيقة بين المفردات، وأضفنا إلى هذا الدّلالة الخاصة لبعض المفردات التي