وجعل بلاغة القرآن في عشرة أقسام، مثل: التشبيه والتلاؤم والإيجاز، وهو لا يذكر النظم صراحة مثل معاصره الخطّابي. وكذلك كان القاضي عبد الجبار صاحب «المغني في أبواب التوحيد» قد ذكر النظم في قالب فكري نتجاوزه لضيق البحث هنا «١».
ولا نحبذ سرد آراء سائر دارسي الإعجاز، فقد لحظوا في انتقاء القرآن ما أدهشهم، ويكفينا اتخاذ نماذج حول هذه الثنائية: المفردة والنظم، لأن الكثير كانوا على شاكلة الخطابي، حيث يكون القول الأساسي بالنظم، ومن ثم نتلمس إمعانا جيدا في المفردة من غير أن ينكروا النظم، وهو المنهج الحق.
ولا بأس أن نعرض للباقلاني «٢» الذي يوحّد بين المفردة والنظم، وإن كان يبهم أحيانا، فهو يقول بالنظم متأثرا بالجاحظ في أن الكلمات عادية، وأن الإعجاز يكون في سباكة هذه الكلمات وصياغتها، وفي أواصرها، وذلك على اختلاف المصطلح بين ربط ونظام، وإذ جاء في كتابه عن اختيار الكلمة في النص القرآني: «هو أدق من السحر، وأهول من البحر، وأعجب من الشعر، وكيف لا يكون ذلك، وأنت تحسب أن وضع الصبح موضع «الفجر» يحسن في كل كلام، إلا أن يكون شعرا أو سجعا، وليس كذلك فإن إحدى اللفظتين قد تنفر في موضع، وتزلّ عن مكان لا تزلّ عنه اللفظة الأخرى، بل قد تتمكن فيه» «٣».
ولا يمكن أن نستشفّ منه رأيا في تأكيد أهمية المفردة، فهو لا يسير على وتيرة واحدة، إذ لا يقدم شواهد بشكل مباشر، وفي المكان نفسه، ويظل مفهوم المفردة مبهما عند ما نقرأ في كتابه إعجابه بقوله تعالى: فالِقُ الْإِصْباحِ، وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً، وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً، ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ «٤»،
(١) انظر القاضي عبد الجبار في الجزء السادس عشر من مؤلفه «المغني في أبواب التوحيد».
(٢) الباقلّاني: هو محمد بن الطّيّب قاض من كبار علماء الكلام، انتهت إليه الرّئاسة في مذهب الأشاعرة، ولد في البصرة، وتوفي في بغداد سنة ٤٠٣ هـ، من كتبه «إعجاز القرآن» و «الإنصاف» و «تمهيد الدلائل» وغيرها. انظر الأعلام: ٣/ ٤٥٥.
(٣) الباقلاني، إعجاز القرآن، ص/ ١٨٤.
(٤) سورة الأنعام، الآية: ٩٦.