إذ يقول: «انظر إلى هذه الكلمات الأربع التي ألّف بينها، واحتجّ بها على ظهور قدرته، أليس كل كلمة منها في نفسها غرّة وبمفردها درّة؟» «١».
فالآية عنده أربع كلمات، والكلمة تساوي الفقرة أو الجملة، فقوله عز وجل: وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً كلمة، والجمال يشمل إذا الصورة البيانية كلّها في هذه الاستعارة، أما اختيار «العليم» و «العزيز» من أسمائه الحسنى تبارك وتعالى، و «فالق» في الصيغة الاسمية لا «يفلق»، فلا شيء من هذا الذي يدل على تمكن الفاصلة، وهذا ما انتبه إليه الرماني عند ما أكد أن القافية يتبع المعنى فيها المبنى على عكس الفاصلة «٢»، وقد تبعه آخرون في شرح هذه الفكرة، فذكروا الإيغال والتوشيح، وردّ العجز، والتمكين «٣».
والظاهر أن أبا بكر الباقلاني في تأمّله يؤكّد عدل الجاحظ في هذا الأمر، فجمال انتقاء المفردة متمم لأسلوب النظم، فهو يقول: «كل كلمة لو أفردت كانت في الجمال غاية، وفي الدلالة آية، فكيف إذا قارنتها أخواتها وضامتها ذواتها، تجري في الحسن مجراها، وتأخذ معناها» «٤».
والمفيد في عبارته السابقة العودة إلى مصطلح الكلمة- المفردة،- وليس الكلمة- الجملة أو الفقرة أو حيّز الصورة الفنية.
وقد سار على نهج الجاحظ في أن المفردة كائن معجمي لا جمال فيه ولا قبح ولا تصحّ نسبة الإعجاز إليها، طارحا العلاقة الوشيجة بين المفردة والفكرة كما سبق أن بيّن، فمن الطبيعي أن تكون في المعجم، وفي أقوال أخرى مشلولة حتى ينهض بها القرآن في أدق استخدام، مراعيا الفروق، ومفيضا عليها المعاني الجديدة والإيحاءات الخاصة التي لا تكون في العرف اللغوي، فقد جاء في أواخر كتابه: «والذي تحدّاهم به أن يأتوا بمثل هذه

(١) الباقلاني، أبو بكر، إعجاز القرآن، ص/ ١٨٨.
(٢) انظر الرماني، ثلاث رسائل في الإعجاز، ط/ ١، تح محمد خلف الله، ومحمد زغلول سلام، دار المعارف بمصر، ص/ ٧٠.
(٣) انظر ابن أبي الاصبع، ١٣٨٣ هـ تحرير التحبير، ط/ ١، تح حفني محمد شرف، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، ص/ ٢٢٣ - ٢٤٥.
(٤) الباقلاني، أبو بكر، إعجاز القرآن، ص/ ٩٩.


الصفحة التالية
Icon