يرفض الجرجاني مصطلح الفصاحة المتعلق بالمفردات، ويعلقه بروابط الكلمات، وهذه الروابط مراعاة لقضايا النحو، وهو نحوي معروف، ولا بأس أن نذكر تعريفا مختزلا لنظريته الموضّحة تطبيقا وتحليلا في كتابه، وبعد هذا نعود إلى حجج مؤيدي جمال المفردة، ومن تصدّى لمغالاته، والنقاط التي تجاوزها ولعا بجديد، وخوفا من تصوّر تناقض فيه، فهو يعرّف النّظم قائلا:
«واعلم أن ليس النظم إلا أن تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه علم النحو، وتعمل على قوانينه وأصوله وتعرف مناهجه.. ذلك أنا لا نعلم شيئا يبتغيه الناظم بنظمه غير أن ينظر في وجوه كل باب وفروقه، فينظر في الخبر إلى الوجوه التي تراها في قولك: زيد منطلق وزيد ينطلق، وينطلق زيد، ومنطلق زيد، وزيد المنطلق، والمنطلق زيد، وزيد هو المنطلق، وزيد هو منطلق.. » «١».
فقد استفاد من نحويته في كشف جماليات التركيب عند ما تملّى وجوه النظم بذوق سليم، مثل: التنكير والتعريف والاسمية والفعلية والاستفهام والتقديم والتأخير والوصل والفصل.
فالجمال يتوقف على التركيب النحوي الذي يصل إلى النفس، وحتى الاستعارة ينظر إليها من وجهة نظر نحوية لما فيها من إسناد اسم إلى آخر، ومن الطبيعي أن يكون سابقوه قد تعرّضوا لهذه الأمور النحوية، إنما يعود الفضل إليه، عند ما فسّر المنهج وربطه بالجمال، واستوفى كل المسائل النحوية التي تبين الأسلوب البياني، وقد كان الأمر قبله مجرّد شذرات متفرقة في بطون الكتب وومضات عابرة في حاجة إلى توضيح الجرجاني وفق طابع تطبيقي مسهب.
ومن الجدير بالذكر أنه يسلّم بأمر نكران التفاضل بين لفظتين، من خلال نكرانه للتفاضل بين دلالة كل لفظ على معناه، نراه يقول: «هل يتصور أن يكون بين اللفظتين تفاضل في الدّلالة حتى تكون هذه أدلّ على معناها الذي وضعت