لقد أهمل الجرجاني الجانب الموسيقى للمفردات ولمقاطع القرآن، واستبعد أن يكون فيهما الإعجاز، وفي هذا الصدد يقول درويش الجندي:
«يصل عبد القاهر من ذلك إلى الحكم بالخطإ على قصر الفصاحة على كلمات من حيث هي ألفاظ منطوقة، وأصوات مسموعة، فادّعى أنه لا معنى للفصاحة سوى التلاؤم اللفظي، وتعديل مخارج الحروف، حتى لا يتلاقى في النطق حروف تثقل على اللسان» «١».
فالجرجاني عرض لأبيات شعرية يثقل نطقها بسبب تقارب المخارج أو تكرار حروف بعينها، وعند ما تأخذه الحيرة في أن يرفض هذه المراعاة، أو يدعها منتصرا للنظم، يقبل بها على أنها لا تضر بمنهجه، ويسلّم بأنها مما يفاضل به كلام على كلام، وبأنها داخلة في أحكام النظم «٢»، على الرغم من أنه لا علاقة للنحوية بهذا التلاؤم الموسيقى بين المخارج، إنما يدلّ هذا على عدله وذوقه، ويحسب له لا عليه.
ومما يستدعي الانتباه أن يسخر من المتشدّقين والمطنبين من الخطباء قائلا: «وأن يستعمل اللفظ الغريب والكلمة الوحشية» «٣»، فهو يقر بجمال المفردات المأنوسة لا الوحشية الوعرة. ولهذه السلبية التي يذكرها مقابل إيجابي في القرآن حريّ بالدراسة.
وهذه العبارة رآها المجذوب دلالة على تناقض الجرجاني يقول: «يؤخذ على عبد القاهر أن في كلامه نوعا من التناقض من حيث أنه يسلّم بأن الكلمات منها الغريب الوحشيّ، ومنها الذي يكدّ اللسان، ثم ينفي مع هذا كلّه أن تكون الكلمات متفاضلة غير متساوية قبل أن يشملها النظم» «٤».
ونخلص مما سبق إلى أن الجرجاني- فيما يبدو لنا- لم ينف مراعاة السمع
(٢) انظر الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص/ ٤٦ - ٤٧.
(٣) الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص/ ٥.
(٤) المجذوب، د. عبد الله الطيّب، ١٩٥٥، المرشد لفهم أشعار العرب وصناعتها، ط/ ١، مطبعة البابي الحلبي، القاهرة: ٢/ ١٠.