ولربما يظن بعض ممن يقتبس من كتاب ابن الأثير حول المفردة، أن الرجل قد سفّه نظرية الجرجاني، فابن الأثير، رأى أنّ الخطوة الأولى في البلاغة انتقاء المفردات، فتحدّث عن محاسنها ومعايبها، ثم تحدث في مكان أوسع عن جمال التركيب مقتفيا أثر ابن سنان في «سرّ الفصاحة»، إنه يقول:
«إن تفاوت التفاضل يقع في تركيب الألفاظ، أكثر مما يقع في مفرداتها، لأن التركيب أعسر وأشقّ، وبعد أن يستشهد لهذا التنظير بالآية السابقة من سورة هود التي تأمل فيها الجرجاني داعية النّظم، يقول: «يخيّل للسامع أن هذه الألفاظ ليست تلك التي كانت مفردة» «١».
فالمفردة هي جزئيات النظم، وقد اعترف ابن الأثير بجمال الطرفين:
المفردة والنظم، بمعياره الذوقي المتعلق بالجانب الموسيقى.
وفي هذا الصدد يقول عز الدين إسماعيل: «وإذا كان ابن الأثير يشير إلى اختيار الألفاظ من حيث هو الخطوة الأولى للتأليف، فليس معنى هذا أنه تحوّل عن فهمه هذا» «٢».
لذلك نراه أولاها اهتماما بالغا، فمحّص في موسيقاها مستقلة من خلال مخارج الحروف، وعدد الحروف، واشتراكها مع غيرها في الإيقاع الكلي، ومكانها بين الكلمات، وذلك توسيعا لما نقله عن ابن سنان والرماني.
لم يكن بعد الجرجاني من هو مغال غلوّه في النظم، فكلهم قال به، فكانوا متسامحين غير متشددين في النظم وحده، ويبدو أنهم استوعبوا ما قاله، وما قاله غيره أيضا، فنثروا تأملاتهم الرفيعة في بطون كتبهم مع أن القول الأساسي للنظم، يقول زغلول سلام: «ضياء الدين لم يتأثر بالقول بالنظم والتأليف عن طريق عبد القاهر ولا الخطّابي، بل عن طريق الجاحظ والرماني» «٣».
(٢) إسماعيل، د. عز الدين، ١٩٦٨، الأسس الجمالية في النقد العربي، ط/ ٢، دار النصر، القاهرة، ص/ ٢٣٦.
(٣) سلام د. محمد زغلول، ١٩٥٤، ضياء الدين بن الأثير، ط/ ١، مكتبة نهضة