ومثل هذا صحيح إلا في مساواة الخطابي بعبد القاهر، لأن الأول عني بدقّة اختيار القرآن لمفرداته في مواضع كثيرة من رسالته على ضآلة حجمها، مشيرا إلى الفروق والإيحاءات، وسوف نجد أمثال نظرات الخطّابي في الفصل الرابع.
وقد عجب الباحث زغلول سلام من شمول نظرة ابن الأثير التي ترى المفردة والنظم كلّا متكاملا، وذلك عند ما رآه ينتقل من باب جمال المفردة إلى باب جمال التركيب، فيقول: «ومنه يتضح أن ضياء الدين لا يأخذ بالرأي القائل بفصاحة المفردة دون النظم، وهو مع ذلك لا يرده، ويبدو من قوله هنا، وفي مواضع اخرى، أنه متردّد مضطرب بين رأي ابن سنان، ورأي عبد القاهر الجرجاني» «١».
لكننا نرى ابن الأثير عادلا، وليس مترددا، إنما هو تكامل يدلّ على رحابة صدر، فإذا أخذنا برأي زغلول سلّمنا بتردد من كان على شاكلة ابن الأثير كالزمخشري والسيوطي، بيد أنهم كانوا منصفين، وإذا كانت نسبة تأكيدهم على النظم أكبر من عنايتهم بالمفردة، فهذا لأن الوسائل متوفرة في دراسة النظم، لأن النحو يحيط بهم أكثر من فن نغم الكلمات، وأكثر من علم النفس الأدبي الذي يقدم الإيحاءات جلية.
وهذا التكامل استمر حتى القرن العاشر الهجري، فالسيوطي في أسلوبه النّقلي يبسط آراء سابقيه، ويبيّن مفهومهم عن وجه الإعجاز المتمثل في النظم، ومن ثم يقول هو بنظم الحروف والكلمات محتذيا بمنهجهم، وعلى الرغم من هذا لا ينسى أن يدلي برأي عادل إذ يقول: «اعلم أن المعنى الواحد قد يخبر عنه بألفاظ بعضها أحسن من بعض، وكذلك كل واحد من جزأي الجملة، قد يخبر عنه بأفصح ما يلائم الجزء الآخر، واستحضار هذا متعذّر على البشر في أكثر الأحوال» «٢».

مصر، القاهرة ص/ ٣٨.
(١) سلام، د. محمد زغلول، ضياء الدين بن الأثير، ص/ ٨١.
(٢) السيوطي، جلال الدين، الاتقان: ٢/ ٢٦٩.


الصفحة التالية
Icon