وكأنما يضيف السيوطي هنا سببا آخر لوجود الترادف، يضاف إلى سبب تعايش اللغات، وهو حرية التصرف بصوتيات الكلمة، مثل: التصرف في الضّرب والضّريب، ويتضح هذا بشكل جلي في مثاله الآتي: «يقال: أخذه بحذافيره وجذاميره وجزاميره وجراميزه» «١».
والجدير بالذكر هنا أن الرماني الذي وضع بحثا في المترادفات هو نفسه صاحب الرسالة النفيسة «النّكت في إعجاز القرآن» التي ذكر فيها أن المعنى هو المقدّم في وجود الفاصلة القرآنية «٢»، كما أن السيوطي هو نفسه صاحب «معترك الأقران في إعجاز القرآن «ذلك السّفر الجليل الذي ذكر فيه الفرق بين الفعل والعمل، وبين الخشية والخوف في سياق القرآن كما سنجد في الفصل الرابع» «٣».
وهذا يدلّ على أنهما اعترافا بالترادف ظاهرة لغوية واقعية، ونفياها من القرآن، لأنّ السياق القرآني أفضل جانب تطبيقي يبين ظلال الفروق الدقيقة بين هذه المفردات المترادفة.
أما علماء اللغة المعاصرون، فيجمع أكثرهم على إنكار التطابق التام بين المترادفات، وهنالك قلّة منهم يؤيدون الترادف، ومن هؤلاء علي عبد الواحد وافي، فقد وجد أن اللغة العربية كثيرة المفردات والمترادفات، لعراقتها وكثرة احتفاظها بمفردات اللغة السامية الأم، يقول: «ومن أهم ما تمتاز به العربية أنها أوسع أخواتها الساميات ثروة في أصول الكلمات، فهي تشتمل على جميع الأصول التي تشتمل عليها أخواتها السامية.. وتزيد عليها بأصول كثيرة احتفظت بها من اللسان السامي الأول، ولا يوجد لها نظير في أية أخت من أخواتها، هذا إلى أنه قد تجمّع فيها من المفردات في مختلف أنواع الكلمة اسمها وفعلها وحرفها، ومن المترادفات في الأسماء والصفات والأفعال ما لم
(٢) انظر الرماني، علي بن عيسى، ثلاث رسائل في الإعجاز، ص/ ٩٨.
(٣) انظر السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، بلا تا، معترك الأقران في إعجاز القرآن، تح: علي محمد البجاوي، دار الفكر العربي، القاهرة: ٢/ ١٥٠.