لن يؤمنوا، وإن جاءت المعجزات المادية، والله عليم بقلوبهم، ولهذا لم يحقّق لهم ما أرادوه.
ولا تدلّ ظاهرة الترادف في لغتنا على نقيصة، بل تدل على سعة الفكر العربي وابتكاره، وتمثل طبيعة الظروف المعيشة، حيث استقلال القبائل وتلاقيها، ولهذا نستنتج أن من أسباب الترادف أخذ الرواة للكلمات من قبائل مختلفة، وهنا تبرز أهمية اللهجات أو اللغات المتعايشة مما أدّى إلى تعدد الكلمات الدالّة على مدلول واحد.
وكذلك كان أصل كثير من الكلمات المرادفة صفات للاسم، ثم صارت مع الزمن اسما مثل السّيف والصارم، وبعض هذه المرادفات كان مجازا في الأصل مثل كلمة الوغى التي كانت تعني اختلاط أصوات المعركة، ثم صارت تعني المعركة ذاتها بعد أن كانت تعني جزءا منها.
وكذلك أدّت حرية التصرف بأصوات الكلمات إلى وجود مرادفات مثل كلمة كمح الدابة وكبحها، ورأيت هذا عن كثب وعن كثم، وفلح الأرض وفلعها، وهذه في الأصل من باب الإبدال، وإن أدخلها بعضهم في باب الترادف «١».
ويرى عاطف مدكور أن أكثر علماء اللغة اليوم لا يأخذون بالتطابق التام بين المترادفات، ويقول في الموضع نفسه: «وفي رأينا أن الترادف موجود ولكن في حالات فردية نادرة يحدّدها السياق، ولكنه ظاهرة نادرة الحدوث، ولا تجود بها اللغة بسهولة، وأكثر ما نراه فيما يسمى «الكلمات المعتمة» التي لا شفافية فيها مثل «أمام وقدّام، خلف ووراء، شمال ويسار، تحت وأسفل» «٢».
وهي معتمة من جهة عدم وضوح الفرق بين الدّلالتين، ولا تقصد هنا عتمة معنى الكلمة ذاتها.
ولم يكن استخلاصنا للأصل الحسي لاصطلاح الترادف في أول هذه الفقرة

(١) انظر مدكور، د. عاطف، ١٩٨٧، علم اللغة بين القديم والحديث، ط/ ١، جامعة حلب، ص/ ٢٢١ - ٢٢٤.
(٢) المصدر السابق، ص/ ٢٢٧.


الصفحة التالية
Icon