دافعا إلى نفي هذه الظاهرة اللغوية، ولكنا رأينا أن كون الرّديف غير الراكب الأساسي يدلنا على أن المترادفات مشتركة في المعنى الواحد اشتراكا فقط، ولا يوجد تطابق تام، بحيث يمكننا التبديل من غير أن نمسّ المعنى المبتغى.
والترادف على أية حال ظاهرة لغوية ملموسة، ولكن الاستعمال القرآني واقع أدبي خاص يتنزّه عن إمكان تبديل كلماته من غير أن يتغيّر معنى المقام المطلوب.
وإذا كان المدلول واحدا، والدلالة متعددة، فلا أقلّ من انتقاء صوتي يجعلنا نفضّل ما ترتاح إليه الآذان، وتميل إليه النّفس، فننتقي كلمة كبش، ونستبعد الشّقحطب ونقول: لمع البرق دون جثجث، ونقول: رأس الورك دون الحرككة، ونقول دهان ألواح السفينة دون جلفاطها، يقول جارييت: «إن المترادفات المختلفة للشيء الواحد قد تتفاوت من حيث الجرس واللفظ» «١».
فهنالك بواعث جمالية تدفعنا إلى تفضيل مفردة على أخرى في حال التطابق التام المفترض بين معنى الدّلالتين، والقرآن يبيّن لمتدبره أنه لم يكتف بانتقاء المفردة الخاصة بالمعنى المحدّد المطلوب، بل جمع بين عذوبة الصوت وبين المعنى الخاص.
- تأكيد الفروق:
لقد سلك اللغويون مسلكين ففريق أيّد الترادف، وقد بيّنا منذ قليل بعض آرائهم، وفريق أنكر الترادف، ومن هؤلاء المبرّد «٢»، وقد نسبت إليه عائشة عبد الرحمن هذا خطأ لتأليفه كتاب «ما اتفق لفظه واختلف معناه من القرآن المجيد» «٣»، لأن العنوان يدلّنا على أنه عني في كتابه بالمشترك اللفظي أي
(٢) هو أبو العباس محمد بن يزيد الأزدي، أحد أئمة الأدب واللغة توفي سنة ٢٨٦ هـ في بغداد، من كتبه «الكامل» و «المقتضب» و «إعراب القرآن» انظر الأعلام:
٣/ ١٠٠٢.
(٣) انظر عبد الرحمن، د. عائشة، الإعجاز البياني للقرآن، ص/ ٩.