منهاج، لأن الشّرعة لأوّل الشيء والمنهاج لمعظمه ومتّسعه، ويعطف الشيء على الشيء، وإن كانا يرجعان إلى شيء واحد إذا كان في أحدهما خلاف للآخر» «١».
وينقل أبو هلال هذا الكلام عن المبرّد، ويتبعه في الرأي، فقد رأى في الموضع نفسه أن ليس من الذكاء أن يضع الواضع اللغة، ويعطف زيدا على أبي عبد الله إذا كانا شخصا واحدا.
ولم يكتف أبو هلال بالعطف فقط، ليؤكد عدم الترادف، إذ يضع شرطا لمنهجه يشرحه في مقدمة كتابه فهو يقول: «إذا اعتبرت هذه المعاني وما شاكلها في الكلمتين- الاشتياق والحنين- ولم يتبين لك الفروق بين معنيهما، فاعلم أنهما من لغتين مثل القدر بالبصرية، والبرمة بالمكية، ومثل قولنا: الله في العربية، وآزر بالفارسية» «٢».
وهذا الشرط الذي اتخذه العسكري، ليحدّ من شمول نظريته، اتخذه علي وافي وجعله مناط الاعتراف بالترادف، كما رأينا.
ولمنهج العسكري ميزات ترفع من شأن كتابه، وتفضله على كتاب الثعالبي، فقد جعل كلّ كتابه للفروق، فمن جهة الكم قدّم مادة وفيرة، وهو لا يترك القارئ من غير إقناع، بما تسعفه ذاكرته من أمثلة من القرآن والشعر وأمثال العرب واستعمالهم، وإضافة إلى هذه الميزة الجيدة، اقتصر على ما هو مشهور، ولم يتعرّض لكلمات غريبة متخذا فذلكة فارغة لا طائل لها.
وما يعنينا من اقتصاره هو اشتماله على مفردات القرآن التي يشتبه في ترادفها، ويعنينا أنه يحدّد في المقدمة نفيه للترادف في القرآن قائلا عن المبرّد:
«والذي قاله هاهنا في العطف يدل على أن جميع ما جاء في القرآن، وعن العرب من لفظين جاريين مجرى ما ذكرنا من العقل واللب، والكسب والجرح، والعمل والفعل معطوفا أحدهما على الآخر، فإنما جاز هذا لما بينهما من الفرق

(١) العسكري، أبو هلال، الحسن بن عبد الله، ١٣٥٣ هـ، الفروق في اللغة، ط/ ١، مكتبة القدسي، القاهرة، ص/ ١١.
(٢) العسكري، أبو هلال، الحسن بن عبد الله، الفروق في اللغة، ص/ ١٦.


الصفحة التالية
Icon