وهذا طبيعي في كتب اللغة لأنها لا تغفل اللفظة لندرة استعمالها، لأنها إنما تؤرخ فلا بد من الجمع الوافي.
وكما نرى مفردات الثعالبي ليست بين طرفين كما هي الحال عند العسكري، بين السيّد والصّمد، والعزّ والشّرف، والصحّة والعافية، والقدرة والطاقة، إنما يخصص الفصل لترتيب الأسماء وفق الحالة الموجودة، وقلّما يجنح إلى القرآن، ليكون حجّة لتقسيماته، وقد احتج بالقرآن في فصل سمّاه «فيما يحتج على الشّدة من القرآن»، فجاء فيه: «الهلع شدّة الجزع، واللّدد شدة الخصومة، والحسّ شدة القتل، والبثّ شدة الحزن، والنّصب شدة التعب، والحسرة شدة الندامة» «١» وكلها مما ورد في القرآن.
ومن الجدير بالذكر أن أحمد بن فارس رفض مسألة الترادف بعلّة تعايش اللغات، فهو يرى أن للسيف اسما واحدا، وباقي الأسماء صفات له كالصّمصام والباتر والصّارم، قال: «ويسمّى الشيء الواحد بالأسماء المختلفة نحو السيف والمهنّد والحسام، والذي نقوله في هذا إن الاسم واحد هو السيف، وما بعده من الألقاب صفات ومذهبنا أن كل صفة منها معناها غير معنى الأخرى، وقد خالف في ذلك قوم، فزعموا أنها- وإن اختلفت أصواتها- فإنها ترجع إلى معنى واحد، وذلك نحو قولنا: سيف وعضب وحسام، وقال آخرون: ليس منها اسم ولا صفة إلا ومعناه غير معنى الآخر» «٢».
وكأنه يريد أن طول استعمال الصفة إلى جانب الموصوف جعل الناس يكتفون بالصفة، فأبدلوا السيف المهنّد بقولهم المهند أي سيف من الهند.
ومن مظاهر استيفاء المفردة القرآنية لطرفي الشكل والمضمون ما جاء في الآية تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا «٣»، وقد جاء في الاتقان عن البارزي «٤» أنّه

(١) الثعالبي، فقه اللغة وسر العربية، ص/ ٦٨.
(٢) ابن فارس القزويني، أحمد، ١٩٦٢، الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها، ط/ ١، تح د. مصطفى الشويمي، مؤسسة بدران، بيروت، ص/ ٩٦.
(٣) سورة يوسف، الآية: ٩١.
(٤) البارزيّ: هو هبة الله بن عبد الرحيم الجهني الحموي، قاض وحافظ للحديث، من أكابر فقهاء الشافعية، عيّن مرات لقضاء مصر فاستعفى، وتولّى قضاء حماة،


الصفحة التالية
Icon