أعجب ب «آثرك» وحسنها الزائد على «فضّلك» «١»، وظنّ أن الأمر- فيما يبدو لنا- هو هذا المدّ الطويل بعد الهمزة ثم الفتح على حرف لثويّ خفيف، وصعوبة الوقوف والتّشديد على الضاد، وهو من حروف الإطباق.
ويضاف أن القرآن ذكر «فضّل» في سبعة عشر مكانا، مثل قوله تعالى:
فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً «٢»، فالتفضيل كما توحي المقارنة كان نتيجة عمل، ولم يكن له سابق تصميم أو إرادة، إنما هو نتيجة عمل، وإذا عدنا إلى «آثر» مثل: وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا «٣»، وقوله تعالى: وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ «٤»، فالعدالة السماوية تتأكد في سابق اختيار المرء للشر، والإيثار يكون له ثواب عند ما لا يكون جبرا، فيؤثر المؤمن أخاه عن سابق اختيار.
ودلالة «آثر» في القرآن أقرب إلى الذهنيات منها للمحسوسات، أو هي اختيار بعد اختيار، يقول أبو هلال: «الفرق بين الاختيار والإيثار أن الإيثار على ما قيل هو الاختيار المقدّم» «٥».
وفي عصرنا أخذت عائشة عبد الرحمن على عاتقها نصرة استقلال جمال المفردة القرآنية من خلال الظلال النفسية للفروق، فانتدبت نفسها لهذا في كتابيها: «التفسير البياني» بجزئيه، و «الإعجاز في البيان» وقد وقفت في الأخير على هذه المسألة منظّرة، ومن ثمّ مطبّقة في عشر مسائل، مثل: الفرق بين الرؤيا والحلم، والنأي والبعد، وتكاد تشتمل على معظم ما يظنّ فيه الترادف في القرآن.

وتوفي سنة ٧٣٨ هـ، وله بضعة وتسعون كتابا منها: «البستان في تفسير القرآن» و «الناسخ والمنسوخ» و «الفريدة البارزية في شرح الشاطبية» و «ضبط غريب الحديث» وغيرها انظر الأعلام: ٩/ ٦٠.
(١) السيوطي جلال الدين، الإتقان: ٢/ ٢٧٠.
(٢) سورة النساء، الآية: ٩٥.
(٣) سورة النازعات، الآية: ٣٨.
(٤) سورة الحشر، الآية: ٩.
(٥) العسكري أبو هلال، الفروق في اللغة، ص/ ١٠١.


الصفحة التالية
Icon