٤ - الأثر الموسيقى لمفردات القرآن
امتاز العرب برهافة الحس، فهم يتأثرون أشدّ التأثّر بما يسمعون، وللكلمة قدسيّتها، وهي تفعل فعلها إلى أبعد مدى، فيحاربون ويصالحون، ويضحّون ويكرمون نتيجة سماع كلمات، وهم سيدركون القيمة الموسيقية في القرآن بسبب معايشتهم لفن الشعر والخطابة، واهتمامهم البالغ بالكلمة، وقد قال الزرقاني: «هذا الجمال الصوتي أو النظام التوقيعي، هو أول شيء أحسته الآذان العربية أيام نزول القرآن، ولم تكن عهدت مثله فيما عرفت من منثور الكلام، سواء أكان مرسلا أم مسجوعا، حتى خيّل إلى هؤلاء العرب أنّ القرآن شعر» «١».
ونحو ذلك ما ذكره الرافعي إذ يقول: «رأوا حروفه في كلماته، وكلماته في جمله ألحانا لغوية رائعة، كأنها لائتلافها وتناسبها قطعة واحدة قراءتها هي توقيعها، فلم يفتهم هذا المعنى، وأنه أمر لا قبل لهم به، وكان ذلك أبين في عجزهم» «٢».
فما كان عليهم- وقد أصرّوا على الإشراك- إلا الهرب من سماعه على ملأ من القوم، والتلصّص لسماعه ليلا، مما يؤكد عدم موضوعيتهم في كرههم للقرآن، وقد قال عنهم عزّ وجلّ: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا: لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ «٣»، فقد طغت المكانة العشائرية، ولكنها لم تمسح في نفوسهم تذوقا سمعيا فطريّا.
ويمكن أن نعزو هذه الملكة السمعية إلى ضخامة مساحة الأميّة بين العرب حينئذ، بالإضافة إلى كثرة استماعهم للشعر الذي صوّر شئون حياتهم جميعها،
(٢) الرافعي، مصطفى صادق، إعجاز القرآن، دار الكتاب العربي، بيروت بلا تاريخ، ص/ ٢١٤.
(٣) سورة فصّلت، الآية: ٢٦.