- في القرآن والحديث:
نجد في رحاب الآيات الكريمة تسمية الكتاب العظيم بالقرآن، فقد ورد هذا الاسم سبعين مرة، وهذا أضعاف ذكر أيّ اسم غيره كالفرقان والكتاب، مما أحصاه العلماء، وكانت الكلمة الأولى من الوحي «اقرأ» في الآية: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ «١»، وقد اشتقّت كلمة «القرآن» من القراءة، فهي تتطلب السمع. وحضّ القرآن على استعمال حاستي السمع والبصر، وهما وسيلتا تذوّق الجمال مثل قوله إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا «٢» وقوله عزّ وجلّ: وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ «٣».
وليس ما استنبطه علماء التجويد إلا أصلا في قراءة العربية، وقد قال السيوطي: «إن العرب لا تنطق بكلامها إلا مجوّدا» «٤»، وقد استخلص عبد العزيز بن عبد الفتاح قواعد التجويد من جهود السّلف، ووضع مصنفا قال في مقدمته: «والمقصود الرئيسي خدمة القرآن الكريم، والتوصل إلى النطق العربي النبوي الفصيح بكتاب الله، وليعلم كلّ من درس هذا العلم، أو قام بتدريسه أنه- وإن كان يعتمد على النقل والرواية فحسب، إلا أن مصدره ومرجعه في الحقيقة الذوق العربيّ الفصيح» «٥».
فالتجويد ليس شيئا إضافيا أو زركشة لتزيين كلمات القرآن، فهو إعطاء الحرف حقّه في الأداء، وبما أن النسق القرآني فريد النوع، فقد كانت قواعد التجويد بالغة الأهمية، لأنها تبرز جمالا سمعيا غير معهود، كما أن مراعاة قوانين التجويد مراعاة للعربية التي هي المادة الصوتية لهذا الكتاب العظيم، وهي لغة تستبعد بطبيعتها الوعورة والثّقل، فقد اختار الناطق بها كلّ سهل مستساغ، وكان القرآن اختيارا آخر، ولهذا كانت آياته إعجازا لهم، لأنه يفوقهم
(٢) سورة الإسراء، الآية: ٣٦.
(٣) سورة السّجدة، الآية: ٩.
(٤) السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، ١٣٢٥ هـ، المزهر في علوم اللغة، ط/ ١، مطبعة السعادة بمصر، ١/ ١٤٦.
(٥) ابن عبد الفتاح القارئ، عبد العزيز، ١٣٩٦ هـ، قواعد التجويد، ط/ ٣، المكتبة العلمية بالمدينة المنورة، المقدمة: ١ - ٢.