أهل الشام والعراق ما ذكره حذيفة رضي الله عنه، وذلك أنهم اجتمعوا في غزوة إرمينية كل طائفة بما روي لها، فاختلفوا، وأظهر بعضهم إكفار بعض والبراءة منه وتلاعنوا، فأشفق حذيفة مما رأى منهم. فلما قدم حذيفة المدينة فيما ذكره البخاري «١» والترمذي «٢»، ودخل إلى عثمان رضي الله عنه قبل أن يدخل إلى بيته، فقال:
(أدرك هذه الأمة قبل أن تهلك) «٣».
كان أهل كل إقليم من أقاليم الإسلام يأخذون بقراءة من اشتهر بينهم من الصحابة، فأهل الشام يقرءون بقراءة أبي بن كعب، وأهل الكوفة يقرءون بقراءة عبد الله بن مسعود، وأهل البصرة بقراءة أبي موسى الأشعري، فكان بينهم اختلاف في حروف الأداء ووجوه القراءة، بطريقة فتحت باب الشقاق والنزاع في قراءة القرآن، أشبه بما كان بين الصحابة قبل أن يعلموا أن القرآن نزل على سبعة أحرف.
بل كان هذا الشقاق أشد، وذلك لبعد هؤلاء بالنبوة، وعدم وجود الرسول ﷺ بينهم يطمئنون إلى حكمه، ويصدرون جميعا عند رأيه، مما أدى إلى أن يكفر بعضهم بعضا. وكادت أن تكون فتنة في الأرض وفساد كبير «٤». إضافة إلى ذلك فإن الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن لم تكن معروفة لأهل تلك الأمصار، ولم يكن من السهل أن يعرفوها كلها حتى يتحاكموا إليها، لأن كل صحابي في إقليم يقرئهم بما يعرف فقط من الحروف التي نزل عليها القرآن.
قوله: (فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف). بعد أن قال حذيفة رضي الله عنه لعثمان رضي الله عنه ذلك أفزعه، وأرسل إلى
(٢) سنن الترمذي، كتاب تفسير القرآن، رقم (٣١٠٤): ٥/ ٢٦٥.
(٣) سنن الترمذي، كتاب تفسير القرآن، رقم (٣١٠٤): ٥/ ٢٦٥.
(٤) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: ١/ ٥١.