والناس نيام، حتى لقد كان الذي يمر ببيوت الصحابة في غسق الدجى يسمع فيها دويا كدوي النحل بالقرآن، وكان الرسول ﷺ يذكي فيهم روح هذه العناية بالتنزيل يبلغهم بما أنزل إليه من ربه، ويبعث إلى من كان بعيد الدار منهم من يعلمهم ويقرئهم. كما بعث مصعب بن عمير وابن أم مكتوم إلى أهل المدينة قبل هجرته ﷺ يعلمانهم الإسلام، ويقرءانهم القرآن، وكما أرسل عليه الصلاة والسلام معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى مكة بعد هجرته للتحفيظ والإقراء «١».
قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه: (كان الرجل إذا هاجر دفعه النبي ﷺ إلى رجل منا يعلمه القرآن، وكان يسمع لمسجد رسول الله ﷺ ضجة بتلاوة القرآن حتى أمرهم رسول الله ﷺ أن يخفضوا أصواتهم لئلا يتغالطوا) «٢».
وجاء في الأثر عن عبد الله بن حبيب، أبي عبد الرحمن السلمي أنه قال:
(حدثنا الذين كانوا يقرءوننا كعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما، أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي ﷺ عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل معا) «٣».
وجاء في الحديث الصحيح: أن النبي ﷺ قال لأبي بن كعب: (إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن، قال: آلله سماني؟ قال: نعم، وقد ذكرت عند رب العالمين، قال: وذرفت عيناه واشتهر بين الناس بأن أبيّ أقرؤكم) «٤».
(٢) ينظر: حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم الأصبهاني: ١/ ١٠٧؛ ومناهل العرفان: ١/ ٢٤١.
(٣) مسند الإمام أحمد، حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (٢٣٥٢٩):
٥/ ٤١٠.
(٤) صحيح البخاري، كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب مناقب أبي بن كعب