وتدل هذه الرواية وغيرها على أن النبي ﷺ كان يقرأ القرآن لبعض صحابته، ويهتم بأن يحفظوه، وكان رسول الله ﷺ يمر على بيوت الأنصار ويستمع إلى ندى أصواتهم بالقراءة في بيوتهم، وكما جاء في الحديث الذي يرويه الإمام البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني لأعرف رفقة الأشعريين بالليل حين يدخلون، وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل، وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوها بالنهار) «١».
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: (أن رسول الله ﷺ قال له: لو رأيتني البارحة وأنا أستمع لقراءتك؟ لقد أعطيت مزمارا من مزامير آل داود) «٢». وفي رواية الإمام مسلم بزيادة: (لو علمت والله يا رسول الله أنك تسمع لقراءتي لحبرته لك تحبيرا) «٣».
وبعد الحفظ والإتقان كان كل حافظ ينشر ما حفظه ويعلمه للأولاد والصبيان، والذين لم يشهدوا النزول ساعة الوحي من أهل مكة والمدينة ومن حولهم من الناس، فلا يمضي يوم أو يومان إلا وما نزل محفوظ في صدور كثيرين من الصحابة، وكان الحفظة والقراء يعرضون على النبي ﷺ ما كانوا يحفظون من القرآن «٤».
(١) صحيح البخاري، كتاب الغزوات، باب غزوة خيبر، حديث رقم (٣٩٩١): ٤/ ١٥٤٧.
(٢) صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب حسن الصوت بالقراءة للقرآن، حديث رقم (٤٧٦١): ٤/ ١٩٢٥؛ وينظر: مباحث في علوم القرآن لمناع القطان: ١٢٠.
(٣) صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن، حديث رقم (٧٩٣): ١/ ٥٤٦؛ وقال البيهقي في السنن ٣/ ١٢: رواه مسلم في الصحيح ولم يذكر قول أبي موسى.
(٤) ينظر: مناهل العرفان: ١/ ٢٤٧؛ ومباحث علوم القرآن لمناع القطان: ١٢٠ -