وعلى الرغم من أن القرآن الكريم لم يجمع في مكان واحد- سيأتي بيان سبب ذلك «١» - إلا أن ترتيبه في الحفظ لم يتغير، لأنه كان ترتيبا توقيفيا من الله تعالى، فقد ورد أن جبريل عليه السلام كان يقول: (ضعوا آية كذا في موضع كذا) «٢»، ولا ريب أن جبريل كان لا يصدر في ذلك إلا عن أمر الله عز وجل، وهناك روايات متنوعة صحيحة كثيرة تدل دلالة قاطعة على أن رسول الله ﷺ وصحابته الكرام كانوا يقرءون القرآن الكريم على هذا الترتيب نفسه الذي يبدأ بسورة الفاتحة وينتهي بسورة الناس.
ومن هنا كان حفاظ القرآن في حياة الرسول ﷺ جما غفيرا من الصحابة الكرام، فمنهم من حفظه كله، ومنهم من حفظ بعضه، ومن هؤلاء الحفاظ المشهورين: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة وسعد وابن مسعود وحذيفة وسالم مولى أبي حذيفة وأبو هريرة وابن عمر وابن عباس وعمرو بن العاص وابنه عبد الله ومعاوية وابن الزبير وعبد الله بن السائب وعائشة وحفصة وأم سلمة، وهؤلاء كلهم من المهاجرين رضي الله عنهم أجمعين.
وحفظ القرآن من الأنصار في حياته صلى الله عليه وسلم: أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو الدرداء ومجمع بن حارثة وأنس بن مالك وأبو زيد الذي سئل عنه أنس فقال: إنه أحد عمومتي رضي الله عنهم أجمعين «٣». وقيل: إن بعض هؤلاء إنما أكمل حفظه للقرآن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وأيا ما تكون الحال،

- ١٢١؛ ومجلة الفتوى (مجلة إسلامية ثقافية شهرية)، السنة التاسعة، العدد (١٠٨)، القرآن العظيم مصدر التلقي، مقال للكاتب جاسم محمد الجنابي: ١٣.
(١) ينظر: المبحث الثاني من هذا الفصل: ٣٢.
(٢) مسند الإمام أحمد ٥/ ١٥٨؛ وينظر: المرشد الوجيز لأبي شامة المقدسي: ٤٥؛ ومناهل العرفان: ١/ ٢٤٨.
(٣) ينظر: النشر في القراءات العشر لابن الجزري: ١/ ٦.


الصفحة التالية
Icon