للدلالة على الثبوت والاستمرار كما في قوله تعالى: خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ «١»، وكما في قوله:
قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ «٢». والنكتة في الاستثناء في هذه الآيات هي بيان أن هذه الأمور الثابتة الدائمة إنما كانت كذلك بمشيئة الله تعالى لا بطبيعتها نفسها، فليس امتناع نسيان الوحي طبيعة لازمة للنبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو تأييد ومنحة من الله، وليس خلود أهل الجنة في الجنة واجبا عقليا أو طبيعيا، وإنما هو بإرادة الله ومشيئته «٣».
الشبهة الثانية وردها:
المستشرق آرثر جفري الذي حقق كتاب المصاحف لابن أبي داود قبل أن يحققه الدكتور محب الدين عبد السبحان تحقيقه العلمي، قال المستشرق جفري في مقدمته لكتاب المصاحف: (لما قبض النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يكن في أيدي قومه كتاب) «٤». ثم بين وجهة نظر المستشرقين حول جمع القرآن في عهد النبي ﷺ حيث يقول: (قيل إن النبي ﷺ كان كلما نزلت عليه آيات أمر بكتابتها، وكان يعرض على جبريل مرة في كل سنة ما كتب من الوحي في تلك السنة، وعرضه عليه مرتين سنة موته... ثم قال: وهكذا جمع القرآن كله في حياة النبي ﷺ في مصحف وأوراق، وكان مرتبا كما هو الآن في سوره وآياته إلا أنه كان في صحف لا في مصحف).
ثم يعقب فيقول: (وهذا الرأي لا يقبله المستشرقون، لأنه يخالف ما جاء
(٢) سورة الأعراف، من الآية (١٨٨).
(٣) تفسير المنار: ١/ ٤١٦؛ وينظر: المستشرقون والقرآن الكريم، رسالة دكتوراه لمحمد بهاء الدين حسين: ١٨١.
(٤) ينظر: مقدمة المستشرق آرثر جفري لكتاب المصاحف: ٥.