أصلا، بل وطعن بمن يقول بها ولم يعالجها معالجة علمية، فلا أدري لماذا لم يدرس الدكتور محب الدين هذه الرواية ويرد على المستشرق ردا علميا كما رد عليه في مسائل أخرى؟
ومن كلام الدكتور محب الدين حول هذه المسألة قال: (وما أورده- أي المستشرق- من أن النبي ﷺ قبض ولم يجمع القرآن في شيء، فهذا لا يقوله من لديه أدنى دراية بعلوم القرآن للأحاديث الواردة الثابتة الدالة على أنه كان هناك كتّاب للوحي يكتبون القرآن عقب نزوله بأمر الرسول ﷺ وقوله: (شيء) نكرة في سياق النفي، يدل على أن القرآن لم يجمع قط، فهذه دسيسة عدائية ظاهرة، وأوائل أحاديث الكتاب ترد عليه ذلك) «١».
أقول: لا أدري لماذا هذا التحامل على هذا الحديث من الدكتور محب الدين، هل الحديث لم يصح عنده أو أنه لم يطلع عليه في الكتب المعتمدة؟ على أن هذا الحديث مشهور وموجود في بعض كتب الحديث وعلوم القرآن والتي تناولت موضوع جمع القرآن، فذكره الإمام ابن حجر في الفتح، والسيوطي في الإتقان «٢». إلا أن ذلك المستشرق
استشهد بهذا الحديث كي يشكك ويطعن في صحة نقل القرآن، وأنه لم يجمع في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد درست هذا الأثر في الفصل الأول من هذه الرسالة وتوصلت إلى أن إسناده حسن، كما أشرت إلى ذلك قبل قليل، إلا أن الخلاف هو حول فهم هذا الحديث ومعناه. وحتى لا أكرر ما ذكرته سابقا وباختصار أقول: إنما لم يجمع القرآن في المصحف زمن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما كان يترقبه عليه الصلاة والسلام من ورود ناسخ لبعض
(٢) ينظر: فتح الباري: ٩/ ١٤؛ والإتقان: ١/ ١٢٦؛ ومباحث في علوم القرآن لمناع القطان: ١٢٤.