أصحاب تلك المصاحف لم ينقلوا عنهم قراءة تخالف ما يحتمله رسم المصحف الإمام الذي كتب في عهد عثمان رضي الله عنه، والذي حظي بإجماع الصحابة وتواتر ما فيه،
والذي جاء كاملا من غير زيادة ونقص فيه، وقد توسعنا بالحديث عن رسم المصحف الإمام في الفصل الأول من الرسالة «١».
يقول الدكتور عبد الله دراز: نظرا لغيرة المسلمين الأوائل وهم بطبيعة الحال أكثر تحمسا لكلام الله تعالى من خلفائهم يستحيل علينا أن نعلل قبول الكافة لمحصف عثمان دون منازعة أو معارضة بأنه راجع إلى انقياد غير متبصر من جانبهم. ولقد قرر المستشرق (نولدكه) في كتابه (تاريخ القرآن): أن ذلك يعد أقوى دليل على أن النص القرآني على أحسن صورة من الكمال والمطابقة «٢».
قال الآمدي «٣»: (إن المصاحف المشهورة في زمن الصحابة كانت مقروءة عليه صلّى الله عليه وسلّم ومعروضة، وكان مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه آخر ما عرض على النبي ﷺ وكان يصلي به إلى أن قبض) «٤»؛ ولأن زيد بن ثابت رضي الله عنه كان قد قرأ العرضة الأخيرة على النبي ﷺ قبل انتقاله صلّى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، وزيد بن ثابت كان عليه الاعتماد الأكثر من الكتاب في نسخ مصحف الإمام في زمن سيدنا عثمان رضي الله عنه.
أما فيما يتعلق بترتيب الآيات والسور، فقد ادعى لويس جارديه، والأب قنواني في كتابيهما (فلسفة الفكر الديني بين المسيحية والإسلام)، قالا: (إن

(١) ينظر: المطلب الثالث من المبحث الثاني في الفصل الأول من هذه الرسالة.
(٢) ينظر: المدخل إلى القرآن الكريم: ٣٩.
(٣) الآمدي: هو أبو الحسن علي بن أبي علي محمد بن سالم التغلبي الفقيه الأصولي المتكلم (ت ٦١٧). ينظر: تاريخ القرآن للزنجاني: ٣٩.
(٤) تاريخ القرآن للزنجاني: ٣٩؛ وينظر: المستشرقون والقرآن الكريم لمحمد بهاء الدين:
٢١٦.


الصفحة التالية
Icon