فيها القرآن «١».
وجاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنهم أنه قال: لما خطب النبي ﷺ في فتح مكة قام إليه رجل من اليمن يقال له أبو شاه، وطلب إليه أن يكتبوا الخطبة، فقال صلى الله عليه وسلم: (اكتبوا لأبي شاه) «٢».
وهنا يبرز سؤال، أو ربما يسأل سائل ويقول: لماذا لم يجمع القرآن في مصحف واحد في عهد النبي ﷺ وتضم المواد المشار إليها والتي استعملت في الكتابة بعضها إلى بعض؟ إن ذلك يرجع إلى ما كان يترقبه النبي ﷺ من ورود ناسخ لبعض أحكامه أو تلاوته، وكان النبي ﷺ هو الذي يقرر ترتيب الآيات، فيقول: (ضعوا الآية كذا في موضع كذا) «٣».
وإن ذلك لم يكن خاضعا للاجتهاد منه عليه الصلاة والسلام لأن جبريل عليه السّلام كان يعارض النبي ﷺ بالقرآن مرة في رمضان من كل عام، وفي العام الذي توفي فيه ﷺ عارضه به مرتين «٤». وهكذا انقضى العهد النبوي السعيد والقرآن مجموع على هذا النمط، والصحابة رضي الله عنهم الذين كانوا
يكتبون القرآن لم يلتزموا بتوالي السور وترتيبها، وذلك لأن أحدهم كان إذا حفظ سورة أنزلت
(٢) ينظر: صحيح البخاري، كتاب اللقطة، رقم الحديث (٢٣٠٢): ٢/ ٨٥٧؛ وصحيح مسلم، كتاب الحج، رقم الحديث (١٣٥٥): ٢/ ٩٨٨؛ وجامع بيان العلم وفضله ١/ ٨٤.
(٣) ينظر: من حديث يرويه الإمام أحمد في مسنده: ٥/ ١٥٨؛ وينظر: الإتقان للسيوطي:
١/ ١٢٦؛ ومناهل العرفان: ١/ ٢٤٨.
(٤) من حديث صحيح البخاري، باب علامات النبوة في الإسلام، حديث رقم (٣٤٢٦): ٣/ ١٣٢٦؛ وينظر: مسند الإمام أحمد، مسند ابن عباس رضي الله عنهما، حديث رقم (٢٤٩٤): ١/ ٢٧٥.