«فإن قال قائل: لم أجمعوا على ترقيق الراء الساكنة إذا انكسر ما قبلها نحو: (فرعون) و (شرعة)، ولم يرققوها إذا انكسر ما بعدها نحو: (مرجع)؟
فالجواب عن ذلك: هو ما قدمناه من أن الحركات مقدرة بعد الحروف، فكسرة الفاء من (فرعون) مقدرة بين الفاء والراء، فقربت من الراء فكأنها عليها، وكسرة الجيم من (مرجع) مقدرة بعد الجيم، فالجيم في التقدير حائلة بين الراء والكسرة.
وهذا مذهب مشهور قد نصّ عليه سيبويه وغيره من النحويين «١»
، أعني:
تقدير الحركات بعد الحروف... » «٢»
٩ - دلالة الأصوات:
- ليس عجيبا أن يتفرّد ابن جني بهذا الباب دون سائر أصحاب الاحتجاج «٣»، فعنايته به أشهر من أن تخفى على أحد.
- من ذلك أنه في احتجاجه لقراءة أبي عمرو: ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ [النمل ٢٠] بإسكان الياء، وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي [يس ٢٢] بتحريكها- نسب إلى الإسكان معنى جواز الوقف، وإلى التحريك معنى وجوب الوصل. قال:
«ومما يتلقّاه عامة من يسأل عنه بأنه أخذ باللغتين، وسعة باختلاف اللفظين: قراءة أبي عمرو: وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ بسكون الياء من (لي)، وقراءته أيضا:
وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي
بتحريك الياء.

(١) ذكر ابن جني أن مذهب سيبويه أن الحركة تحدث بعد الحرف. انظر الخصائص: ٢/ ٣٢١.
وأما نصّ سيبويه على ذلك من الكتاب فلعله قوله: «وزعم الخليل أن الفتحة والكسرة والضمة زوائد، وهن يلحقن الحرف ليوصل إلى التكلم به. والبناء هو الساكن الذي لا زيادة فيه.»
الكتاب: ٤/ ٢٤١ - ٢٤٢.
(٢) الهداية: ١/ ١٣٦.
(٣) خلا بعض الإشارات العابرة لدى بعضهم.


الصفحة التالية
Icon