فيه لمذهب المعتزلة على التحقيق، مرة بالإشارة العابرة، وأخرى بوضع القارئ أمام وجوه كثيرة في تفسير الآية الواحدة، يوردها موجزة ملخصة وليس من بينها ما يناقض مذهب المعتزلة بحال، قال في قوله تعالى: (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) - البقرة ٢ - «وفي المتقين ثلاثة تأويلات: أحدها: الذين اتقوا ما حرم الله عليهم وأدوا ما افترض عليهم، وهذا قول الحسن البصري. والثاني: أنهم الذين يحذرون من الله العقوبة ويرجون رحمته، وهذا قول ابن عباس. والثالث: أنهم الذين اتقوا الشرك وبرءوا من النفاق، وهذا فاسد لأنه قد يكون كذلك وهو فاسق. وإنما خص به المتقين وإن كان هدى لجميع الناس لأنهم آمنوا به وصدّقوا بما فيه» «١»
وقال في قوله تعالى: (خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) - البقرة ٧ - «والختم: الطبع، ومنه ختم الكتاب.
وفيه أربع تأويلات: أحدهما- وهو قول مجاهد- أن القلب مثل الكف فاذا أذنب العبد ينضم جميعه ثم يطبع عليه بطابع. والثاني: أنها سمة تكون علامة فيهم تعرفهم الملائكة بها من بين المؤمنين. والثالث: أنه إخبار من الله تعالى عن كفرهم وإعراضهم عن سماع ما دعو إليه من الحق، تشبيها بما قد سدّ وختم عليه فلا يدخله خير. والرابع: أنها شهادة من الله على قلوبهم بأنها لا تعي الذكر ولا تقبل الحق، وعلى أسماعهم بأنها لا تصغي إليه. والغشاوة: تعاميهم عن الحق. وسمي القلب قلبا لتقلبه بالخواطر، قال الشاعر:

(١) ورقة: ٩.


الصفحة التالية
Icon