(ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ). وثانيهما: أن من دخل هذه الجنة لا يخرج منها لقوله تعالى: (وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ). وثالثها: أن إبليس لما امتنع من السجود لعن، فما كان يقدر مع غضب الله على أن يصل إلى جنة الخلد! ورابعها: أن الجنة التي هي دار الثواب لا يفنى نعيمها لقوله تعالى: (أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها) ولقوله تعالى: (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها) إلى أن قال (عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) أي غير مقطوع، فهذه الجنة لو كانت هي التي دخلها آدم عليه السّلام لما فنيت لكنها تفنى لقوله تعالى: (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) ولما خرج منها آدم عليه السلام، لكنه خرج منها، وانقطعت تلك الراحات.
وخامسها: أنه لا يجوز في حكمته تعالى أن يبتدئ الخلق في جنة يخلّدهم فيها ولا تكليف، لأنه تعالى لا يعطي جزاء العاملين من ليس بعامل، ولأنه لا يهمل عباده، بل لا بد من ترغيب وترهيب ووعد ووعيد. وسادسها:
لا نزاع في أن الله تعالى خلق آدم عليه السلام في الأرض، ولم يذكر في هذه القصة أنه نقله إلى السماء، ولو كان تعالى قد نقله إلى السماء لكان ذلك أولى بالذكر، لأن نقله من الأرض إلى السماء من أعظم النعم، فدل ذلك على أنه لم يحصل. وذلك يوجب أن المراد من الجنة التي قال الله تعالى (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) جنة أخرى غير جنة الخلد» «١».
وبالرغم من أن الحاكم قد يجزئ النقل عن المفسرين والاستشهاد

(١) ملتقط جامع التأويل، ص ٢ - ٣ (التفسير الكبير ٣/ ٣).


الصفحة التالية
Icon