والعدل على أي شيء آخر أنه منهج الأنبياء في دعوتهم إلى الله، كما استدل على ذلك بآيات كثيرة من كتاب الله الكريم، قال في قوله تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ، قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) «١»:
إن الآية تدل على أن القوم كانوا كفارا، فلذلك بدأ بالتوحيد والدعاء إليه. ثم قال: «وهذا دأب الرسل يدعون إلى أهم الأمور، وهو التوحيد الذي لا يصح شيء من العلوم إلا بعده، ثم بعد قبوله يبينون الشرائع».
وقال في قوله تعالى: (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً، وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً). إنها تدل على وجوب تعظيم الله وإثبات توحيده وعدله، ثم عبادته.
وقال في قوله تعالى: (كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ، إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ، وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) «٢» «إن دعوة الأنبياء- عليهم السلام- على نسق واحد، تبدأ بالتوحيد والعدل والنبوات، ثم يأمر بالتقوى وينهى عن المنكرات، ثم يبين الشرائع»، ولهذا استدل الحاكم بهذه الآيات على «أن الأهم الذي يبدأ به: الدعاء إلى التوحيد والعدل».
(٢) الآيات ١٢٣ - ١٢٧ سورة الشعراء، التهذيب ورقة ١٧.