وفسر تصديق القرآن للذي بين يديه، في قوله تعالى: (فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) «١» بأنه موافق لما تقدمه من الكتب المنزلة في التوحيد والعدل، وإن خالفها في الشرائع.
وقد عد الحاكم المنع من إظهار التوحيد والعدل من أعظم الذنب، فقال في قوله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها... ) «٢»: «وإذا كان المنع من المساجد ظلما عظيما، فالمنع من إظهار التوحيد والعدل ودين الحق أعظم!».
ولا ينازع الحاكم في أن العدل والتوحيد منهج الأنبياء، ولكنه هو وقومه قد فلسفوا هذا الأصل فلسفة خاصة امتازوا بها من سائر الفرق.
ونكتفي هنا في بيان هذا الأصل بالوقوف على المعنى الاجمالي لكل من «التوحيد» و «العدل» وما يندرج تحتهما من سائر الأصول الاعتزالية التي تحكم تفسير الحاكم! كلّ ذلك بالقدر الذي يمهد لنا السبيل لفهم أهم المسائل التي أثارها في تفسيره، ولنقف- بالدرجة الأولى- على الأساس الذي يركن اليه باستمرار في «التأويل» والحمل على المجاز، وفي التفريق بين المحكم والمتشابه، كما سنرى ذلك في الفصول القادمة.
١ - التوحيد: قال الحاكم: إن المعتزلة أجمعوا في مقدمات التوحيد على أن العالم وكلّ موجود سواه تعالى محدث، وأنه تعالى يعرف بالنظر والدليل، وأن دليل إثباته فعله
الذي لا يدخل تحت مقدور العباد... وأن
(٢) الآية ١١٤ من سورة البقرة، التهذيب ورقة ١٤٦.