ولهذا ذهب جمهور المعتزلة إلى أن مرتكب الكبيرة من أهل النار أبدا، ونقض الحاكم على جماعة منهم ذهبوا إلى الارجاء لأنه- كما يقول الحاكم- لا يجوز أن يكون في عمومات الوعيد شرط واستثناء لم يبينه الله تعالى، لأن الحكيم لا يجوز أن يخاطبنا بخطاب لا يريد به ظاهره، تم لا يبين مراده «١» قال الحاكم في تفسيره قوله تعالى: (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ، وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ، يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ، وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ) «٢»: إن الفجار العصاة المرتكبين للكبائر في النار، والفجور اسم للعصيان، ولهذا يقال للزاني: فاجر ومعنى «يصلونها» أي يلازمونها للتعذيب، وقال أبو مسلم: يصيرون صلاءها، أي حطبها. قال الحاكم:
«وتدل الآية على قولنا في الوعيد من جهات: أحدها أنه فصل بين البر والفاجر، فدل على أن الفجار ليسوا من الأبرار، بخلاف قول المرجئة.
ومنها: أنه عم جميع الفجار ولم يخص، فلا فاجر إلا ويدخل تحت الآية، خلاف قولهم. ومنها قوله (لَفِي جَحِيمٍ) فلم يثبت لهم مكانا غيره. ومنها قوله (وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ) فدل على الدوام» ثم قال: «ومتى قيل:
أراد بالفجار الكفار! قلنا: عنه أجوبة، أحدها: أنه لو صح لدخل بعض الفجار الجنة ولكانوا من الأبرار، وهذا خلاف الآية. وثانيها: أن الآية عامة. وثالثها: أن أهل القبلة مخاطبون بالاتفاق، ولو تناول الكفار لما كانوا مخاطبين لأن الفجور اسم لجميع المعاصي». وذكر أبو مسلم أن
(٢) الآيات ١٣ - ١٦ سورة الانفطار، التهذيب ورقة ١٣٧/ و.