ولعل هذا لا ينافي عند الحاكم أن يحط عن الكافر والفاسق من سيئاته بمقدار ما له من الحسنات، فتثبت فيه نوع من الموازنة، وإن كان ذلك لا يجعله من أهل الثواب، أو يسقط عنه العقوبة. وإلا فان مذهبه في الموازنة- التي تابع فيها أبا هاشم وخالف أبا علي- لا يخلو من اضطراب، قال في قوله تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) «١» قال ابن عباس: ليس مؤمن ولا كافر إلا أراه الله عمله، فأما المؤمن فيريه حسناته وسيئاته فيغفر له سيئاته ويثيبه على حسناته، وأما الكافر فيحبط حسناته ويعذبه بسيئاته. ونقل عن بعض المعتزلة أن معنى قوله: «خَيْراً يَرَهُ» أنه يجد جزاء ما عمل من الخير وإن قلّ على الرؤية لا على الجزاء، لأن المحبط والمكفر لا يجازى عليه، فأما «المؤمن والتائب فيرى السيئات مكفرة، ويثاب على الحسنات من غير بخس! وأما الكافر فيرى حسناته محبطة، وذنوبه يعاقب عليها أجمع!» قال الحاكم: «فأما عند مشايخنا فيجازى على جميع أفعاله لا يضيع شيء، فإن كان مؤمنا يجازى على حسناته، وما كان من سيئاته فيحبط بقدره من ثوابه. وإن كان كافرا يعاقب على ذنوبه، وما كان من سيئاته فيحبط بقدره من عقابه بقدره، فيكون قد وجد جزاء جميع أفعاله» ثم قال: «وهذه هي الموازنة التي ذهب إليها شيخنا أبو هاشم وأصحابه، وعليه يدل الظاهر».
وقال في قوله تعالى:
(فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ | ) الآية، إنها تدل على صحة الموازنة كما يقوله أبو هاشم «٢». |
(٢) التهذيب، ورقة ١٥٤/ وانظر شرح الأصول للقاضي صفحه ٦٢٨ - ٦٢٩.