إليها في المواضع المتماثلة والمتشابهة على الرغم من قلة المخالفين لرأي الحاكم- أو الموافقين لرأي الجاحظ- فيما نعلم. ولولع الجاحظ بالحديث عن ضرورة المعارف وجه معقول إذا ثبت أنه أول من ذهب الى هذا القول، في حين أن الذين ذهبوا الى نقض «نظرية» الجاحظ قبل الحاكم كثيرون، إلا أن يقال: إن الحاكم أخذ على نفسه «استقصاء» الردود عليها حيثما وجد الى ذلك سبيلا من كتاب الله تعالى. انظر مثلا الى تعقيبه على الآيات الأولى من سورة القمر: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ، وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ، وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ، حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ) بعد أن ذكر أن الآيات تدل على ذم المعرض عن الأدلة، ووجوب التفكر، حيث قال: «وتدل أن اتباع الهوى في الدين مذموم، وليس بعده الا اتباع الأدلة، وذلك يدل أن المعارف مكتسبة!» «١» فقد وصل إلى تحقيق رأيه في كسب المعارف من وجوب اتباع الأدلة- وهذا من رأيه على الدوام- ووصل إلى وجوب اتباع الأدلة من دلالة الآية على أن اتباع الهوى مذموم!
أما النصوص القرآنية الدالة على الله تعالى وعلى حكمته، والتي نصبت أدلة ليتفكر بها، فدلالتها عنده على أن المعارف غير ضرورية كدلالتها على وجوب النظر، كلاهما لا يقبل الجدل «٢»، «لأنها لو كانت
(٢) انظر تفسيره لقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً) - الآية ١٣ سورة غافر- في التهذيب ورقة ١٩/ وو انظر في هذا الجزء الأوراق ٨٣/ ظ، ٤٦/ و، ٢٢/ ظ.